نظرية الأصفار الثلاثة

نظرية الأصفار الثلاثة

المغرب اليوم -

نظرية الأصفار الثلاثة

بقلم - توفيق بو عشرين

تحت هذا العنوان، أصدر الاقتصادي البنغالي المسلم محمد يونس كتابا جديدا يبشر باقتصاد الأصفار الثلاثة؛ صفر بطالة، صفر فقر، وصفر تلوث (vers une économie à trois zéros)، ويقول إن هذا أمر ممكن في الشرق كما في الغرب، في الشمال كما في الجنوب، بشرط واحد أن نفكر في الاقتصاد بمنطق جديد، وأن نعترف بأن النموذج الرأسمالي الحالي المتحكم في اقتصاديات العالم نموذج أناني وفردي ومدمر للبيئة، ولا يفكر في الضعيف والفقير.
محمد يونس حصل على جائزة نوبل للسلام سنة 2006 عن أعمال جليلة، منها تأسيسه بنكا للفقراء في بلاده بنغلاديش، حيث أخرج مئات الآلاف من الفقر إلى الكفاف، ومنذ ذلك الوقت وهو يجرب وصفته لمحاربة الفقر والهشاشة في أكثر من بلد بطرق جديدة ومبتكرة وبسيطة أحيانا، لكن أحدا لا يفكر فيها في عالم ينتج الفوارق الطبقية، ويدمر البيئة، ويخلق المزيد من العاطلين عن العمل.
هل هذا حلم؟ أبدا، أفكار محمد يونس موجودة اليوم في آلاف المقاولات التي تجرب «The social business»، أو التجارة الاجتماعية، وتعطي نتائج مذهلة على حياة البشر الذين لا يفكر إلا القليلون فيهم اليوم.
في الكتاب الذي صدر له أخيرا، يحكي محمد يونس عن تجارب عدة تدعم نظرية الأصفار الثلاثة، ويقول: «عندما تسمعون مقاولات ناجحة وشركات مربحة، بلا شك تفكرون في Silicon Valley في كاليفورنيا، حيث تستوطن الشركات العملاقة التي تنتج البرمجيات المتطورة، والتطبيقات الأكثر ذكاء على الويب. ربما تفكرون في الأقطاب العملاقة لصناعة الروبو والبيوتكنولوجي في بوسطن، أو في وادي البانغلوا في الهند، أو في شركات Vancouver في كندا. بالقطع لا تفكرون في أوغندا، هذا البلد الإفريقي الذي يتوفر على أعلى نسبة المقاولات في العالم، والذي صنفه تقرير global entrepreneurship Monitor 2015 أكثر بلد يتوفر على المقاولات بالنظر إلى عدد سكانه، حيث يوجد 28% من السكان لديهم مقاولات، أي ست مرات أكثر من المعدل الموجود في أمريكا (4,3% من سكان أمريكا لديهم مقاولات). إذا كنتم تعتبرون هذا الرقم مستحيلا أو مفاجئا، أو حتى صادما، فهذا راجع إلى أن نظرتكم إلى المقاولات محدودة جدا، الأمر لا يحتاج إلى دبلوم في الهندسة، أو المعلوميات، أو إلى رأسمال كبير. لا، أبدا، جل المقاولات في أوغندا ترمي رجلها إلى الأمام، وتفتح دكان بقالة صغيرا، أو شركة طاكسي بسيارة واحدة، أو شركة حليب ببقرة واحدة، أو شركة تبيع منتجات تقليدية من صنع يدوي… وهكذا، فإن هذه الشركات الصغيرة، مثل الكبيرة في أوروبا وأمريكا، تستثمر وقتها ومواردها، وفكرة تنطلق منها، مع جهد في الابتكار لتحقيق القيمة المضافة، وهذا هو المطلوب من أي شركة. بعد ذلك، إذا نجحت، فإنها تطور أنشطتها وتوسع عملها، فتخلق فرص عمل، وتوسع دائرة المستفيدين، وتطور الاقتصاد المحلي، وتراكم الخبرة…».
هذا الكلام ليس نظريا، بل جربه محمد يونس في أوغندا التي يحكي لنا عنها باعتبارها نموذجا طور الاقتصاد الاجتماعي، وأعطى مثالا رائعا عن ذلك. لنستمع إليه مرة أخرى: «ملايين المقاولات الصغيرة التي تشتغل في أوغندا لا تخلق، فقط، مناصب شغل، ولا تخرج الملايين من الفقر فحسب، بل إنها أيضا تربي الثقافة المقاولاتية (l’esprit d’entreprise) التي تعتمد على الذات، وتقبل بالمخاطرة، وتستثمر في الوقت والموارد والذكاء، وتتطور مع الوقت… أسسنا في أوغندا شركة اسمها Golden Bees تعنى بمساعدة الفلاحين على تأسيس مقاولاتهم وتطويرها، وهي، في الغالب، تشتغل في الميدان الزراعي وتربية النحل، فوجدنا أن الفلاحين المعزولين في قراهم لا يتوفرون سوى على فلاحة معاشية، يأكلون منها ولا يصدرون شيئا إلى المدن ولا إلى الخارج. ولأن المحصول محدود والنسل يتكاثر، صارت الفلاحة أحد أسباب فقر هؤلاء، عوض أن تكون سبب غناهم، فماذا فعلنا معهم؟ أولا، نقلنا إليهم خبرات جديدة لتطوير المحصول الزراعي، وساعدناهم على الوصول إلى أسواق المدن وكبريات الفضاءات التجارية في العاصمة، ومولنا بناء دكاكين صغيرة يبيعون فيها محاصيلهم مباشرة للمستهلكين، دون المرور بشبكة الوسطاء الذين يمتصون قسطا كبيرا من العائد، وثالثا، أخبرناهم بأن العسل الذي ينتجونه منذ آلاف السنين مطلوب في أسواق عالمية في أوروبا وأمريكا وكندا، وأن العسل ليس إلا نصف المنتوج الذي يمكن تسويقه، وأن الشهد الذي يضع النحل فيه العسل يمكن بيعه أيضا لمعامل مستحضرات التجميل، ولمختبرات الأدوية، فيما كان الفلاحون الأوغنديون لا يستغلونه على الوجه المطلوب. ولكي نضعهم على سكة الفلاحة التصديرية إلى الخارج، ساعدناهم على احترام المعايير الدولية في إعداد العسل والشهد وتعليبه وتصديره… كل هذا أعطى نتائج مبهرة في فترة وجيزة، حيث تضاعف دخل الفلاحين عدة مرات، وتوسعت أنشطتهم، وانخرط أبناؤهم في مسلسل للتكوين على الماركوتينغ والإدارة وتطوير المقاولات، خاصة على الأنترنت الذي يوفر اليوم إمكانات هائلة للاقتصاد الاجتماعي، وكل هذا لم يكلف إلا القليل من المال الذي ساعدت به Golden Bees، ثم استردت جزءا منه بعد ذلك لمساعدة مشاريع أخرى في المنتجات اليدوية».
ماذا أعطى محمد يونس هؤلاء الفقراء ليخرجوا من فقرهم ومن عزلتهم ومن هشاشتهم؟ أولا أعطاهم الفكرة «l’esprit d’entreprise»، ثانيا المعلومة، ثالثا الخبرة، رابعا المساعدة على الوصول إلى السوق وإلى البنية التجارية «La structure commerciale» من أجل تحرير الطاقات، والباقي كان موجودا في القرية وفي تجارب أهلها… أتمنى أن يجد وزير الفلاحة والصيد البحري الوقت لقراءة هذا الكتاب، ربما ينير طريق المخطط الأخضر الذي لم نر اخضراره بعد، خاصة بعد مقتل 15 امرأة في الصويرة من أجل قفة بـ150 درهما.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نظرية الأصفار الثلاثة نظرية الأصفار الثلاثة



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 17:57 2020 الجمعة ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادي التحدي يبرم عدة صفقات استعدادًا للدوري الليبي

GMT 21:00 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

ترامب ينشر خريطة دولة فلسطين وفقا لـ"صفقة القرن"

GMT 11:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

أسعار النفط ترتفع بسبب توقف خط أنابيب في بحر الشمال

GMT 02:55 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

مجتمع اليخوت الفاخرة مقصد أصحاب لثروات في موناكو

GMT 23:36 2017 السبت ,30 أيلول / سبتمبر

أجزاؤها أشيائي

GMT 15:10 2015 الإثنين ,02 شباط / فبراير

سلطة العدس

GMT 17:34 2012 الثلاثاء ,25 أيلول / سبتمبر

صوفيا فيرغارا في تصميم لزهير مراد

GMT 04:22 2016 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

ضريح القديس يهوذا وحصنه الشاهق يزيّنان جانسي الهندية

GMT 22:06 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

صلاح الدين بصير شبح أسود لحراس المرمى

GMT 15:09 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

إحباط سرقة سيارة لنقل الأموال في أيت أورير ضواحي مراكش
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya