نصيحة أنشتاين للدولة المغربية

نصيحة أنشتاين للدولة المغربية

المغرب اليوم -

نصيحة أنشتاين للدولة المغربية

بقلم - توفيق بو عشرين

حراك الحسيمة له عدة عناوين، وأبرز هذه العناوين، هشاشة السلم الاجتماعي في المغرب، وبروز جيل جديد من الاحتجاجات، يرمي إلى جر الدولة (حكومة ونظاما) إلى المساءلة في الحقل الاجتماعي، وهو حقل حساس لا تملك معه السلطة هامشا كبيرا للمناورة، إذ يتعلق بمطالب حياتية ملموسة ومشروعة، ولا يمكن لأحد أن يشكك في دوافعها، خاصة عندما تتم هذه المساءلة بطرق سلمية وفي الفضاء العام، وبواسطة الشباب – الكتلة الحرجة في المجتمع-، علاوة على توظيف الأنترنيت والهواتف الجوالة التي يزيد عددها عن عدد سكان المغرب في التعبئة والتوصل ونقل الاحتجاجات من الواقعي إلى الافتراضي والعكس … من هنا تنبع حساسية الورطة التي تجد الدولة نفسها فيها إزاء هذه الأزمة، التي لا تعرف كيف تتعامل معها ولا كيف تديرها، لكي لا تنتج مخاطر جدية تمس بالاستقرار…

الدولة لا تملك اليوم، ثمن أداء فاتورة السلم الاجتماعي، لأن إمكاناتها محدودة، ومطالب الناس غير محدودة، علاوة على تراكم الندرة عبر سنوات طويلة تمتد إلى خمسينيات القرن الماضي… لنعطي مثالا ملموسا لتقريب الصورة إلى الفهم العام. عندما تدخل مع ابنك إلى محل لبيع الألعاب، فيطلب لعبة مرتفعة الثمن فتتفحص جيبك وميزانية الشهر وتجد أنها لا تسمح لك باقتناء هذه اللعبة، وأمامك الطفل يلح ويصرخ وربما يبكي. هنا أنت أمام خيارين، إما باعتماد (المقاربة الأمنية)، فتلجأ إلى ضربه أو عقابه ليتوقف عن الضغط والإلحاح والبكاء، فتتوتر علاقتك به، وتنتقل الأزمة إلى البيت، فتنفجر في أماكن أخرى. وإما أن تلجأ إلى (المقاربة السياسية) بوسائل الاقناع، فتصارحه بحقيقة ميزانية الأسرة وتقول له، ليس لدي ثمن هذه اللعبة الآن، لكن أعدك بشرائها بعد شهرين أو ثلاثة أو عشرة. فإذا كانت علاقتك بابنك مبنية على الثقة، فإنه يقتنع ويصرف النظر عن الأمر في انتظار تحسن الظروف، وإلا فإنه لا يقتنع ويظل يصرخ ويبكي وسط البيت…

الذي حدث في الريف اليوم، أن الدولة لا تملك ثمن السلم الاجتماعي، وهي غير قادرة على النهوض بالورش التنموي لأسباب كثيرة، وهي في الوقت نفسه لا تملك ثقة المواطن لأنها ضيعت رصيد المصداقية عبر عقود طويلة من الفساد وتزوير الانتخابات، وغياب الحكامة، وانعدام المحاسبة والاشتغال بمقاربة واحدة تقريبا، هي المقاربة الأمنية التي تعتمد على العصا وتنسى الجزرة…

في 20 فبراير خرج الشباب يُسائلون الدولة في الحقل السياسي ويطلبون ملكية برلمانية على الطراز الأوروبي، فكانت الدولة تمتلك أدوات للمناورة وهامشا للحركة، فغيرت دستور الحسن الثاني وحلت البرلمان وحكومة عباس الفاسي ونصبت برلمانا جديدا وحكومة جديدة، ثم بعد أشهر حاولت أن تسترجع باليد اليسرى ما أعطته باليد اليمنى. ولم تكد تمر خمس سنوات حتى عادت الملكية التنفيذية إلى سابق عهدها وجرى تركيز مفاصل السلطة في الحقول الاستراتيجية التدبيرية في يد واحدة بتأويل وبدون تأويل للوثيقة الدستورية، ولما جاء صندوق الاقتراع بنتائج غير منتظرة في أكتوبر الماضي جرى (الانقلاب الناعم) عليه، وأُزيحت نتائجه وشكلت حكومة على المقاس نراها الآن تصارع من أجل البقاء، أمام الإنجاز فهو خارج حساباتها. الوضع اليوم مختلف، مطالب الناس في الريف وغير الريف اجتماعية واقتصادية بالأساس والاستجابة لها تتطلب إعادة النظر في النموذج الاقتصادي والاجتماعي للمملكة، وهذه المراجعة تتطلب إعادة نظر جذرية في الحقل السياسي وتوازن السلط وعلاقة الدولة بالمواطن وبالأحزاب وبمنظومة الحكم الديمقراطي …

المغربي يتغير، والمجتمع يتغير، ووعي الفرد يتغير، ووسائل الاتصال تتغير، والعالم يتغير، ووحدها الدولة لا تتغير، تشتغل بالوسائل القديمة نفسها، وتنتظر نتائج مغايرة. سئل العالم الألماني المشهور ألبيرت أنشتاين مرة عن المسألة التي لم يجد لها حلا رغم عبقريته وسعة علمه وتجربته، فقال: “لم أفهم مسالة واحدة، كيف أن الناس يقومون بالشيء ذاته مرة بعد أخرى، ثم يتوقعون في النهاية نتائج مختلفة”.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نصيحة أنشتاين للدولة المغربية نصيحة أنشتاين للدولة المغربية



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:08 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العذراء

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 14:43 2018 الجمعة ,28 كانون الأول / ديسمبر

قائمة بأسماء أفضل المطاعم في مدينة إسطنبول التركية

GMT 23:38 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

9 أسباب لفشل عمليات أطفال الأنابيب

GMT 11:09 2018 الأربعاء ,25 إبريل / نيسان

كلويه CHLOE عطر بروح الأناقة من "نو مايد "

GMT 16:16 2019 السبت ,16 آذار/ مارس

دبي تقدم أغلى عطر في العالم "شموخ "

GMT 07:03 2018 الأحد ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تذوق أشهى الأطعمة والمشروبات الساخنة في "نوفوسيبرسك"

GMT 15:32 2018 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

برنامج طبي خاص للاعب طائرة الأهلي عبدالحليم عبو

GMT 22:34 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

ارتفاع مخزونات النفط الأميركي الخام إلى 6.490 مليون برميل

GMT 08:39 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

الياباني يوشيهيتو نيشيوكا يحصد لقب بطولة شينغن للتنس

GMT 13:56 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف يؤكّد أن عمر جمال يملك عرضًا للرحيل

GMT 04:51 2018 الإثنين ,09 تموز / يوليو

تعرفي على أهم العطور المفضلة لدى المشاهير

GMT 02:00 2018 الأربعاء ,28 شباط / فبراير

ديكورات مثيرة لحمامات كلاسيكية باللون الرمادي

GMT 01:32 2018 الإثنين ,12 شباط / فبراير

لسه فاكر

GMT 15:46 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

الكاتب مصطفى محرم يُشير إلى أقرب الأعمال إلى قلبه

GMT 05:18 2013 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"تويوتا" FCV تستعرض تقنية خلايا الوقود وستطرح

GMT 18:18 2016 السبت ,21 أيار / مايو

بريشة:سعيد الفرماوي

GMT 16:29 2020 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

إيطاليا تدعو إلى استئناف إنتاج وتصدير النفط الليبي دون شروط
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya