شبح تطرف السجون يخيم على أوروبا

شبح تطرف السجون يخيم على أوروبا

المغرب اليوم -

شبح تطرف السجون يخيم على أوروبا

ادريس الكنبوري
بقلم - ادريس الكنبوري

سلط حادث مدينة لييج البلجيكية، الذي أودى يوم الثلاثاء الماضي بثلاثة أشخاص بينهم شرطيتان في اعتداء نفذه شاب بلجيكي، الأضواء مجددا على ظاهرة جديدة في عالم التطرف الديني والإرهاب في المجتمعات الأوروبية بوجه عام، وهي ظاهرة التحول إلى التطرف داخل السجون من دون أن يكون الشخص قد مر بتجربة مماثلة في حياته الطبيعية قبل الاعتقال، أو حتى من دون أن يكون قد تعرف من قبل على الدين الإسلامي واحتك بالخطابات الدينية التي ينتجها المتطرفون.

وتتسم حالة بنجامين هرمان، الشاب البالغ من العمر 31 عاما الذي نفذ عملية لييج، بطابع مزدوج، فهو من ناحية لم يكن مسلما قبل اعتقاله، ومن ناحية ثانية انتقل إلى اعتناق الأفكار المتطرفة داخل السجن. وفي يوم تنفيذ العملية كان غادر السجن في رخصة سراح لمدة يومين من أجل استكمال الإجراءات الإدارية لإعادة إدماجه بعد انتهاء مدة الاعتقال. وسبق له أن استفاد أكثر من عشر مرات من رخص شبيهة دون أن يقوم بأي سلوك عدواني، وكان قد اعتقل مرات عدة من قبل في تهم بالسرقة وإفساد ممتلكات عمومية والمتاجرة بالمخدرات. ولا توجد في سجله العدلي أي تهمة لها صلة بالتطرف أو الإرهاب، بل كان يعد مجرما عاديا، بالرغم من تعدد المرات التي حوكم واعتقل فيها، كما أنه لم يكن يثير أي شبهة لدى السلطات البلجيكية المختصة في محاربة الإرهاب والعنف ذي الطابع الديني.

قضية بنجامين هرمان وجهت اهتمام المحققين البلجيكيين ناحية التطرف الذي ينشأ لدى الأفراد داخل السجون، التي لم تعد بالنسبة إلى خبراء الإرهاب في البلدان الأوروبية تعني نهاية المطاف للتخلص من الإرهابيين، بقدر ما صارت تعني مرحلة تفريخهم وتكوينهم النفسي والذهني. وتزيد هذه الظاهرة اليوم من تعقيد أساليب مكافحة الإرهاب والعنف الديني في المجتمعات الأوروبية، إذ بعد أن كان التركيز موجها إلى الأفراد العائدين من ساحات القتال في العراق وسوريا، الذين قاتلوا إلى جانب تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، أو الجماعات الإرهابية الأخرى، وصاروا يطرحون مشكلة أمنية على مستوى عال من الجدية، أصبحت الحكومات الأوروبية أمام نوعية أخرى من المتطرفين، هم أولئك الذين يتم صنعهم داخل السجون على نار هادئة، بعيدا عن أعين المراقبة.

وتقدر السلطات البلجيكية، حسب حصيلة رسمية، عدد السجناء المتطرفين بنحو 237 شخصا، غالبيتهم من الشباب دون سن الثلاثين، يخضعون لمراقبة مستمرة من لجنة خاصة تدعى “وحدة التطرف” في الإدارة المسؤولة عن السجون التابعة للحكومة البلجيكية، ولكن هذا الرقم لا يغطي جميع المتطرفين المفترضين الآخرين، بل يشمل فقط المعتقلين في إطار العمليات الإرهابية التي حصلت في البلاد في الأعوام الأخيرة، أو أولئك الذين عادوا من ساحات المعارك.

والإشكالية العويصة التي تواجهها الحكومة البلجيكية لا تتمثل فقط في صعوبة معرفة ما إن كان السجناء المتطرفون المعروفة هويتهم قد تخلوا عن قناعاتهم المتطرفة وتحولوا إلى أشخاص عاديين، بل أيضا في عدم معرفة ما إن كان السجناء العاديون، المعتقلون في إطار الحق العام، لن يتحولوا إلى اعتناق الفكر المتطرف خلال مرحلة الاعتقال.

وتعيش فرنسا معضلة مماثلة، فهناك ما يزيد على 500 سجين في ملف الإرهاب سيغادرون السجن طيلة السنوات المقبلة قبل نهاية عام 2020، يضاف إليهم 1500 من معتقلي الحق العام الذين يشتبه في أنهم تحولوا إلى التطرف الديني داخل السجن. ومنذ العملية التي استهدفت طاقم مجلة “شارلي إيبدو” الساخرة في قلب باريس في يناير عام 2015 أثير موضوع تدبير ملف السجناء المفرج عنهم بعد انتهاء مدة الاعتقال، ذلك أن أحد منفذي تلك العملية، وهو شريف كواشي، مر من نفس الطريق. فقد اعتقل عام 2005 ثم عام 2006 لتورطه مع شبكة لتهجير الجهاديين إلى العراق، وتمت إدانته أيضا عام 2008، لكن أخلي سبيله وبقي حرا طليقا، بينما كان الجميع يعتقدون أنه تخلى عن قناعاته المتطرفة بمجرد خروجه من السجن.

أما في بريطانيا، فتقول التقارير الرسمية للعام الماضي إن هناك حوالي 200 معتقل في ملف الإرهاب، بارتفاع نسبته 25 في المئة عن سنة 2016، وبين المرحلتين تم الإفراج عن 36 معتقلا، لكن لا توجد مؤشرات على أن هؤلاء جميعهم قد اندمجوا بشكل طبيعي وسط المجتمع وتخلوا عن الأفكار المتطرفة، وهو هاجس يظل حاضرا باستمرار كلما أثير موضوع الارتباط بين التطرف والسجن في بلد أوروبي، كما حصل في بلجيكا هذا الأسبوع.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شبح تطرف السجون يخيم على أوروبا شبح تطرف السجون يخيم على أوروبا



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 06:17 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

استمتعي بشعر قوي وصحي بهذه الطرق

GMT 10:03 2015 الجمعة ,13 آذار/ مارس

7 نصائح نسائية لبشرة رطبة جميلة

GMT 03:59 2016 الإثنين ,07 آذار/ مارس

فوائد عشبة الجنكة لصحة خسارة الوزن

GMT 03:58 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الجامعات الجديدة تحتل صدارة الجداول الخضراء "صديقة البيئة"

GMT 21:36 2014 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مواجهات ليلية عنيفة في ساحة الأمم في طنجة

GMT 22:43 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

استئناف العرض المسرحي "أكشن" في مسرح الحديقة الدولية

GMT 01:22 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

فيفي عبده تؤكد أنها لا تهتم بالانتقادات على السوشيال ميديا

GMT 15:56 2018 الإثنين ,24 كانون الأول / ديسمبر

واين روني يسخر من المدرب جوزيه مورينيو

GMT 02:43 2018 الثلاثاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

دعاء لاشين تكشف عن أحدث تصميماتها في عالم الديكور

GMT 17:36 2018 الثلاثاء ,04 أيلول / سبتمبر

إليكِ طرق بسيطة لتجديد الأثاث القديم في منزلك
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya