موسم سقوط العمائم

موسم سقوط العمائم

المغرب اليوم -

موسم سقوط العمائم

بقلم - ادريس الكنبوري

النظام الإيراني بات عاريا تماما، ولم تعد اللغة الديماغوجية التي اعتاد استعمالها قادرة على تغطية طموحاته الإقليمية التي تريد أن تحول الشعب الإيراني قاطبة إلى جيش مطيع يسير وراء القائد.

ليس هناك أدنى شك في أن ما يحدث في إيران منذ بضعة أيام يعكس حالة من العياء الذي ينتشر في المجتمع الإيراني بسبب السياسات التي يقودها أصحاب العمائم في الداخل والخارج، ليس فقط منذ انطلاق ما سمي بالربيع العربي، وهذه أحد الأسماء الأثيرة لدى القيادة الإيرانية، بل منذ الثمانينات من القرن الماضي.

وقد أظهرت السرعة التي اندلعت بها المظاهرات في مدينة مشهد، ثاني أكبر المدن الإيرانية وذات الطابع الديني، وعمت باقي المدن في أنحاء البلاد، تراكم الشعور بالمرارة لدى المواطنين البسطاء الذين شكلوا في نهاية السبعينات وقود الثورة ضد الشاه، ثم شكلوا في المراحل التالية الفئة الأكثر تهميشا، بسبب الحاجة المستمرة لدى النظام إلى وجود فئة تمثل حطب الأيديولوجيا الشيعية والتي تظل دائما مرتبطة بخطاب النظام الذي يعدها بالانتصار النهائي.

الوضع الأقرب إلى المنطق هو أن إيران لم تخرج بعد من حقبة الثورة، أو الوعد بالثورة، الذي تقدمه إلى المهمشين بالداخل. لم يكن ما حصل عام 1979 ثورة بالمعنى الكامل النقي للكلمة في عرف المسؤولين الإيرانيين، بقدر ما كان انقلابا سياسيا على نظام الشاه وإقامة نظام بديل مهمته إكمال مشروع تلك الثورة الموعودة. وعندما وضع الخميني خطة تصدير الثورة كان يقصد بذلك استكمال عناصرها التي لا يمكن أن تستكمل من دون ابتلاع مساحات مجاورة لحفظ كيان النظام، الذي لا يمكن أن يستمر في الحياة من دون مجال حيوي وعمق إقليمي.

وقد استمرت الحرب الإيرانية العراقية ثماني سنوات دفع فيها الإيرانيون الكثير من الأرواح والمال مقابل أحلام بالهيمنة وتمكين الإيرانيين من مجال فسيح يتحركون فيه بحرية ويستثمرون ثرواته دون منافس، ولكن هذا الطموح فشل رغم ما أحيط به من هالة دينية شيعية، ورغم ما تم ترويجه من مفاهيم الشهادة والاستشهاد لدفع الإيرانيين إلى المحرقة دفاعا على نظام استبدادي توسعي.

نشأ النظام الشيعي وفي بطنه شعور بحاجته المستمرة إلى خصوم. أدخل في عقول الإيرانيين أن العيش دون أعداء فكرة معادية للثورة
نشأ النظام الشيعي وفي بطنه شعور مستقر بحاجته المستمرة إلى خصوم. أدخل في عقول الإيرانيين أن العيش دون أعداء فكرة غبية ومعادية للثورة، وحاول إقناعهم بأن المشروع الشيعي ثورة دائمة من خلال التلاعب بتاريخ الحسين عليه السلام وطحنه في ماكينة السياسة، ومن ثم فإن المشروع الذي بدأ عام 1979 هو مشروع مفتوح على الدوام. وطوال أكثر من عقد سعى النظام الإيراني إلى تحويل شعار “الشيطان الأكبر” إلى علامة على الثورة الدائمة التي لا تنام، ولكن الإيرانيين رأوا بأعينهم كيف أن “الشيطان الأكبر” تحول إلى حليف بعد الاتفاقية النووية مع إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، التي جهد النظام نفسه من أجل تسويقها وسط الفئات الاجتماعية التي كان مطلوبا منها في السابق استهلاك ما يناقضها، مبشرا إياها بأن تشكل نقلة نوعية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي بعد التخلص من العقوبات الدولية، تنعكس على أوضاعهم.

وقد أظهر التورط الإيراني في المنطقة العربية، وسياساته التوسعية في أكثر من بلد عربي، وانخراطه المباشر في الحرب السورية، أنه مستعد لرهن الإيرانيين للمزيد من الوقت. هذا نظام نشأ لكي يجعل الاضطرابات سياسته الوحيدة، بحيث ينظر إلى الاستقرار وكأنه مرادف للخراب.

ولذلك لم يكن غريبا أن يرفع المتظاهرون الذين خرجوا في مختلف المدن الإيرانية في وقت متزامن شعارات معادية للولي الفقيه ولحزب الله الشيعي اللبناني، وهي سابقة غير معهودة في الاحتجاجات الإيرانية، لم تحصل حتى في تظاهرات العام 2009 التي شهدت مواجهات قوية بين النظام والمواطنين الإيرانيين وخلفت العشرات من القتلى والمئات من المعتقلين والجرحى. ذلك أن النظام الإيراني منذ ما سمي بالربيع العربي إلى اليوم بات عاريا تماما، ولم تعد اللغة الديماغوجية التي اعتاد استعمالها قادرة على تغطية طموحاته الإقليمية التي تريد أن تحول الشعب الإيراني قاطبة إلى جيش مطيع يسير وراء القائد. هذا ما عناه زعيم حزب الله الأربعاء حين قال إن “القاعدة الشعبية الأكبر في إيران هي مع السياسات الخارجية المتبعة من قبل القيادة الإيرانية”.

التجارب الكثيرة السابقة لنظام الولي الفقيه في إيران تظهر اليوم بأنه نظام استثنائي بكل ما تحمله الكلمة من معنى. لقد خلق هذا النظام جميع الوسائل الممكنة التي تجعل قابلية المنطقة للتعايش معه غير ممكنة، وبقدر ما ورط نفسه في أزمات كبيرة في المنطقة صنع بنفسه الفجوة التي تجعل الآخرين لا يثقون فيه ولا يرحبون بوجوده، ولهذا السبب تبدو الاحتجاجات التي اشتعلت في إيران دليلا على حالة الإخفاق والإفلاس التي يوجد عليها نظام بنى سياسته الخارجية على الحرب ضد الجميع.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

موسم سقوط العمائم موسم سقوط العمائم



GMT 00:09 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الأوروبي ... أوهام ديغولية

GMT 04:42 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

عن التيار المدني، بشقية المحافظ والعلماني

GMT 04:40 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اليمن بين الإنسانية والسياسة

GMT 11:28 2018 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الأمن الإقليمى و«مصالح أهل المنطقة»

GMT 09:07 2018 الأحد ,21 تشرين الأول / أكتوبر

محاولة لفهم «ترامب»

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 17:57 2020 الجمعة ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادي التحدي يبرم عدة صفقات استعدادًا للدوري الليبي

GMT 21:00 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

ترامب ينشر خريطة دولة فلسطين وفقا لـ"صفقة القرن"

GMT 11:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

أسعار النفط ترتفع بسبب توقف خط أنابيب في بحر الشمال

GMT 02:55 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

مجتمع اليخوت الفاخرة مقصد أصحاب لثروات في موناكو

GMT 23:36 2017 السبت ,30 أيلول / سبتمبر

أجزاؤها أشيائي

GMT 15:10 2015 الإثنين ,02 شباط / فبراير

سلطة العدس

GMT 17:34 2012 الثلاثاء ,25 أيلول / سبتمبر

صوفيا فيرغارا في تصميم لزهير مراد

GMT 04:22 2016 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

ضريح القديس يهوذا وحصنه الشاهق يزيّنان جانسي الهندية
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya