الأصولية والوصولية

الأصولية والوصولية

المغرب اليوم -

الأصولية والوصولية

بقلم : محمد لقماني

في الدين، كما في السياسة، يلتقي الأصولي والوصولي في مطمح حيازة السلطة السياسية، خدمة لاستراتيجيات الهيمنة والتحكم، وذلك رغم اختلاف الأدوات والألاعيب، ومهما تعددت وتنوعت مصادر التبرير وأدوات  الشرعنة. فلا ضير في الحياد عن المبادئ والقيم ما دامت الغاية تبرر الوسيلة.

فالأصولي السياسي لا يستنفع من أصوليته إرضاء لنزوة عابرة أو مزاجية في التفكير، وإنما خدمة لهدف مركزي في المشروع الاستئصالي الذي يتبناه، ولأنه هدف قد لا يتحقق بالطرق العقلانية والقانونية و الأخلاقية، فإن صاحبه قد لا يجد أمامه من حيل التمكين  سوى أن يكون كائنًا وصوليًا، يتملق الأسياد، ويختزل الجهد، ويحرق المراحل، ويختصر المسافات،  ويوظف المقدسات، ويشعل الفتن و النعرات، ويدوس على الأخلاق والأخلاقيات.

الأصولي وصوليٌ بطبيعته، أما الوصولي فليس أصوليًا بالضرورة، هذا لأن هاجسه ليس المشروع، بل إدراك أهداف سياسية آنية، ولو تطلب الأمر الارتماء في أحضان نقيضه الأصولي. لذلك فهو يبني خطابه السياسي على الشعار وليس على المشروع، وما كل صاحب شعار صاحب مشروع.

قد يجتمع الأصولي والوصولي في شخص واحد أو هيئة واحدة، وقد يتحالفان أو يلتقيان موضوعيًا وسياسيًا، لأن المنطق النفعي لا يسمح بتوسيع أفق النظر إلى أولويات الوطن، فالوطن، وإن كان حاضرا بشكل متواتر في الخطاب السياسي للوصولي، إلا أن حضوره  يكون، في الغالب، إيديولوجيًا تبريريًا وليس مبدئيًا. حدث ذلك في مجتمعات كثيرة، وانساقت شعوبها وراء شعارات التغيير ودعاوي الإصلاح، حتى جنت على نفسها ومصالحها وأوطانها بعد أن تبدد أمامها وهمُ الإصلاح، وحلم التغيير، وصدمها خراب السياسة و التدبير.

قد يتحالف الأصولي المتأسلم مع الشيوعي المستسلم، تحالف الجار بالمجرور، والتابع بالمتبوع. الأول حامل لمشروع، والثاني محمولاً على نفس المشروع. يتباهى الأصولي باحتواء الوصولي وتسخيره لمشروعه، بينما يتوهم الوصولي، باسم مصلحةٍ وطنيةٍ، أنه يشكل عقدة في منشار الأصولي، يفرمل مشروعه الرجعي ويمنعه من التغوّل، فإذا به يجد نفسه متواطئا في تعطيل الدستور، ومفرملاً  للمشروع الديمقراطي برمته، وتلك مصيبة عظيمة.

الأصولية تستهدف الهيمنة على المجتمع، والوصولية تستعجل السلطة السياسية لإدامة الهيمنة تلك. وكلاهما يشتركان، عن وعي أو بدونه، في استراتيجية تدميرية تجهز على ما في الدين من قدسية، وما في السياسة من مبدئية. ولا يهم إن كانت النتيجة في النهاية هي إدخال المجتمع بيت الطاعة، ووضع الوطن على خط النار.

الخطاب الأصولي/ الوصولي هو نفسه خطاب السياسي / الداعية، الذي فرض على السياسة أن تعيش مراوحة انتحارية بين مفهومين نقيضين: الأول نبويّ يتصور السياسة رسالة دينية / خلاصية، والثاني يمارسها كوسيلة لتحصيل المغانم، وفي الحالين معًا لا يتردد أصحاب المفهومين في ادعاء حق امتلاك وتوزيع شرعيات الوجود، الدينية أو التاريخية أو الإيديولوجية، بل والانتفاع الريعي من هذه الشرعيات.

الحقل السياسي المغربي حافل بهكذا سوريالية في التحالفات والتواطئات والخطابات، حتى استعصى الوضوح والمقروئية على الجميع، وتحولت معه بعض الأحزاب إلى فرقٍ كلاميةٍ تثير الشكوك في جديتها، والسخرية من خطابها، ولا تقيم وزنًا لدقة المرحلة، ومخاطر الالتفاف على المشروع الوطني الديمقراطي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأصولية والوصولية الأصولية والوصولية



GMT 12:34 2019 الجمعة ,19 تموز / يوليو

يحدث عندنا.. ذوق أم ذائقة

GMT 11:33 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يَموت حقٌّ لا مقاومَ وراءَه

GMT 17:37 2018 الخميس ,06 كانون الأول / ديسمبر

أخونة الدولة

GMT 13:49 2018 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

عدن مدينة الحب والتعايش والسلام

GMT 14:02 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

ٰ مواطن يمني يبحث عن وطن بدون حواجز

GMT 09:13 2018 الجمعة ,16 آذار/ مارس

الفرار الى الله هو الحل

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 09:38 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 11:48 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 12:08 2019 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

كيف نحمي أطفالنا من أخطار الانترنت ؟

GMT 10:51 2020 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

المحكمة تسقط التهمة عن سمية الخشاب

GMT 19:22 2019 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

تحديث واتساب الجديد يدعم ثلاث ميزات جديدة

GMT 20:55 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

أجمل إطلالات ربيعية للمحجبات لربيع وصيف 2018

GMT 03:15 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

الضياعُ في عينيّ رجل الجبل *

GMT 10:42 2020 الأربعاء ,12 شباط / فبراير

طهران تنفي نية الرئيس حسن روحاني الاستقالة

GMT 13:08 2020 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

وفاة الكاتب محمد حسن خليفة في معرض الكتاب

GMT 20:27 2019 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

ماسك العسل والجزر لبشرة خالية من العيوب
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya