الدار البيضاء - المغرب اليوم
تحاول الروائية السعودية زهراء الغانم، وضع عالم متخيل للخروج بأبطال روايتها "ابنة الشرق"، إلى ضفة الأمان تحذوها رغبةً بتطويع العالم الغريب واستيعاب اختلافه. ذلك أن مفارقة الأصل، (الشرق) والارتحال إلى (الغرب) للبحث عن الـ "مثيل" والـ "مغاير" في عوالم الآخر، قد مثلت حافزًا مركزيًا لتبلور سردية السفر في الرواية العربية، حيث يكون لـ "الآخر".. دور كبير في البطولة. فكيف استطاعت الروائية الغانم الجمع بين مزيج غير متجانس في الهويات والثقافة والعادات والتقاليد والنظرة إلى الحياة هو ما ستكشف عنه هذه الرواية.
وفي رحلة أشبه ما تكون بعبور حلقات متاهة، تبدأ بستينيات القرن العشرين وتنتهي في منتصف العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين؛ تستعيد أولى شخصيات الرواية "عايدة" اللبنانية قصة زواجها من رجل الأعمال السعودي "عبد الباقي"، بعد تركها لابن عمها الذي خانها مع صديقتها، فجاء "عبد الباقي" ليبذر الحب من جديد في قلبها، ولتحصد سعادة كبيرة، خاصة بعد ولادتها لطفلها "عدنان" الذي أعطى لوجودها في البلد الجديد شرعية، وشعورًا بالانتماء، ولكن الشيء الوحيد الذي لم تستطع تجاوزه هو شعورها بالعزلة.
وتتوالى الأحداث في الرواية ويكبر "عدنان" ويبدأ مرحلة جامعية في أميركا، تاركاً أمه لأحزانها بعد وفاة والده، وكانت تلك رغبة الأم التي حققت حلم زوجها بأن يكمل ابنه الوحيد دراسته الجامعية في أميركا، وهناك بين أروقة الجامعة يتعرف "عدنان" إلى "كرستين" الفتاة الأميركية الشقراء التي رأى فيها تلك الشخصية القوية والاستقلالية في الرأي والتصرف.. يتزوجها وينجب منها "محمد" الذي يصبح فيما بعد يمتلك نصف مزارع بلد جدّه وأبيه، كما يستحوذ على العديد من المصانع.
ويكمل "محمد" كذلك دراسته في أميركا ورفيقه الدائم في الطفولة والشباب ابن خالته "مارك"، وليبدأ محمد بعد تخرجه من الجامعة معاناة جديدة مع أبيه "عدنان" الذي يطلب منه العودة إلى السعودية، ليدير شركاته، وأمه "كرستين" توافقه الرأي، فهي لا تريد لابنها العودة إلى ساندياجو.
ولكن محمدًا يصر على البقاء في ساندياجو والسبب أنه وجد حبّ حياته في الجامعة، هي رؤى "ابنة الشرق" فتاة جميلة من أم عراقية وأب سعودي. لها نظرة متفردة إلى الحياة تشاركه الرأي بالبقاء والعمل في أميركا، على الرغم من إصرار والديها هي أيضاً على عودتها وتزويجها من قريب للعائلة، فالطامة الكبرى بالنسبة لوالديها، ارتباطها بشاب أمه أميركية، وأبوه من مذهب مختلف.. ولكن.. شيئاً واحداً سيحدث لم يكن بالحسبان.. سيجعل من لقاء ابنة الشرق بابن الغرب ليس مستحيلاً!!
وبعد، لقد نجحت زهراء الغانم في "ابنة الشرق" في مساءلة الآخر وتمثيله، كما نجحت مساءلة المحلي وتمثيله؛ وتفعل ذلك بنظرة نقدية تحاول استكناه منطق الاختلاف بين الهويات الهجينة وما يستتبع ذلك من التباس الهوية والنظرة للوجود والوعي للآخر.