الرئيسية » حوارات وتقارير
محمد ملص

دمشق - المغرب اليوم

بين أفلام محمد ملص الذي لا تتجاوز أكثر من حفنة من الأعمال، فيلم قصير صوّره سنة 2009 بعنوان «محارم». فيلم دخل دهاليز النسيان الآن يحمل سمات فيلمَي ملص «أحلام المدينة» و«الليل».
من اللقطة الأولى التي تصوّر دمشق في الليل، إلى الأخيرة (كناية عن رسم لقرية أم العجم على الحدود السورية - الإسرائيلية) يعبّر المخرج عن تلك العلاقة التي يكتنزها في كل أفلامه صوب الأسرة والمكان.
يحكي «محارم» عن قصّة عائلة هاجرت إلى دمشق منذ نحو عشرين سنة. الأب يبيع الغاز ويحلم بشراء سيارة شحن سوزوكي صغيرة، وتمزح الأم وهي تقول لأحد أولادها الثلاث «حلمت بأني أسوق السوزوكي لأبيك». لكي يساعد الأولاد أباهم في تحقيق حلمه ينبرون لبيع محارم الورق. يجولون فيها في الحارات الدمشقية وأكبرهم سناً يقع في الحب الأول حين يتعرّف على فتاة صغيرة تهوى الرسم، فيحاول الرسم بدوره لأجلها. يقرر الأب العودة إلى القرية بعدما هدر سنوات حياته من دون تأمين نقلة معيشية فعلية. يعبّر الزوج لزوجته عن رغبته في العودة إلى القرية ويجدها المخرج محمد ملص فرصة مواتية للتركيز على المرأة كزوجة وكأم؛ إذ تنظر إلى زوجها وتقول: «قديش إلنا متزوجين؟ عشرين سنة. والله طول هالوقت وأنا أنتظر أن تقول هذه الكلمة».

تقلبات الفرد والمجتمع
محمد ملص، كما هو معروف، من مواليد القنيطرة ورحل عنها، مع والديه، إلى دمشق وعاد إليها سينمائياً أكثر من مرّة. فيلمه «أحلام المدينة» الذي أنجزه سنة 1983 يحتوي رسماً للرحلة في اتجاهين: رحلة فعلية انتهت في دمشق ورحلة في المشاعر والأحاسيس والذاكرة ما زالت في قريبة المنشأ. لا يختلف «الليل» كثيراً في هذا الصدد إلا من حيث إن الرحلة الثانية كُتبت لكي تستوعب أكثر ما يعيه ويعرفه المخرج عن تلك الفترة الحاسمة من حياته ومن حياة بلاده خلال حرب 1967 التي انكسرت فيها الأحلام.
بداية، لا أحد قفز بالسينما السورية من المحلي إلى العالمي قبل هذا الفيلم. ولا أحد قفز بها إلى العالمي بعد فيلم ملص التالي «الليل». ليست عالمية مصطفى العقاد المبوبة أميركياً، بل عالمية الإنتاج المحلي الذي يسرد ما يحكيه بلغة فنية بديعة تمكنه من بلوغ السينما خارج الحدود الإقليمية وبذلك ترفع الستارة عن حضور البلد المنتج.
بالطبع «أحلام المدينة» هو من إنتاج المؤسسة الرسمية. وبالطبع لولاها لما تحقق هذا الفيلم في وقته وبحجمه ورؤيته. لكنه فيلم مستقل عن أفلام العلاقة التقليدية بين المخرج وجهة الإنتاج. أو بينه وبين المؤسسة الرسمية التي تموّله. مستقل في روحه وفي طرحه وفي عدم كيل المدح لأحد. مستقل بكيانه وهو يروي للسنوات الواقعة ما بين 1953 و1958 من وجهة نظر بطله الفتى الذي وصل إلى دمشق مع أمه وشقيقه. وما عنت له المدينة في فترة سياسية متقلبة ذهبت بالبلاد في أكثر من اتجاه على الرغم من المدة الزمنية القليلة.
ليس أن المخرج قدّم درساً في التاريخ، بل عرّج عليه في الخلفية بينما داوم الحديث عن نفسه (في شخص بطله الصبي) وهو يرقب التقلبات المحيطة مباشرة به. لقد كان عليه العمل لكي يعيل هذه الأسرة التي تعيش في كنف جدّه القاسي. وجد عملاً عند محل للكوي، ويستغل ملص هذا العمل النهاري ليسرد ما كان يمر أمامه من شخصيات وأحداث شوارع وقراءة عناوين صحف أو الاستماع إلى التطوّرات في الإذاعة.
بعده بتسع سنوات أنجز محمد ملص فيلمه الروائي الطويل الثاني «الليل»، وما عالجه في الفيلم الأول عالجه في الفيلم الثاني وبسعة أكبر هذه المرة تتناول حياة صبي له اسم آخر، لكن لا شيء يمنع في أن يكون الصبي الذي في ذات محمد ملص أيضاً. وإذا كان «أحلام المدينة» يعرض، فيما يعرض، أحداث سوريا السياسية في الخمسينات، فإن «الليل» عرض سنوات ما قبل عام 1948 عندما خسر العرب مواجهتم الأولى في فلسطين. كل ذلك من خلال أحداث تتعامل وحياة عائلة لديها من المشاغل والشؤون ما يمكن أن يشكل فيلماً آخر من دون تلك الخلفية التاريخية لو شِيء له أن يكون. مرّة أخرى، هناك الحدث الأمامي والحدث الخلفي. الأول تحت سماء الآخر وغيومه المتلبدة وصرخات المقاومة الوطنية في ثوبها النبيل وقدراتها المحدودة.

رؤيا ورؤية
هذان الفيلمان مرتبطان ليس بالذاكرة الذاتية والسيرة الخاصّة للمخرج، بل بقدرة المخرج على سرد حكاية لا تستخدم الفواصل والنقاط العادية. جملها مؤلفة من صوّر تنساب بشروطها الخاصة وقواعدها المنتمية إلى رؤية وإبداع فنّـان واعٍ وحقيقي وقادر على التغيير ومناهضة السائد. ملص بذلك كان أول فارس حقيقي للسينما المستقلة، وهو ما زال العنقود الوحيد فيها، ليس لأن آخرين لم يسبروا درب الموقف والإنتاج المستقلين، بل لأن أحداً آخر، وعلى مستوى العالم العربي كله، عرف كيف يؤسس إبداعاً خالصاً في الشكل وفي المضمون.
وتأكيداً على هذا المنحى امتنع عن تحقيق أفلام أخرى إلا إذا ما أنجزت تبعاً لأسلوبه الخاص. وفي حين كان مخرجو المعارضة في السنوات السبع الماضية يكتفون - في الغالبية الكاسحة - بتسجيل ما يرونه ويروونه مباشرة، كان ما زال يسعى لصنع الفيلم الذي يحمل الرؤيا وليس الرؤية وحدها.
تتمثل الأولى في رفع مقام البحث في الوضع إلى طموحات ما بعده وتصوّر الثانية ما يمكن لعدد من الأفراد غير المنتمين إلى أي طرف البحث فيه والانتماء إليه وهو الحرية.
الفيلم هو «سلم إلى دمشق»، ومباشرة نقول إن بعض ما في «أحلام المدينة» و«الليل» من معالجة فنية غائب هنا لاختلاف الاهتمامات.
هناك فيلمان من السيرة الشخصية مقولبة في «الأنا» الأخرى، وهنا عرض للواقع من موقع يجد أن ما تحتاج إليه سوريا الآن هو ذلك السلم الذي يمكن للفرد أن يصعد درجاته ويصيح، كما يفعل بطل الفيلم: «بدي حرية».
طبعاً، ما زال السلم مرفوعاً والصرخة مترددة أطلقها مجدداً المخرج نفسه في فيلم حميد بن عمرة الجديد «لايف تايم» (كما تقدّم معنا على هذه الصفحة بتاريخ 26 أبريل (نيسان) 2019). لكن محمد ملص إذ يرفع صرخته مجدداً يدمجها بواقع آخر: الربط هنا هو بين الحرية وبين الإبداع وبين غياب الحرية وبين غياب المبدع عن العمل.
كل المبدعين يعانون من قلّة عدد الأفلام التي ينجزونها إذا ما عاشوا في نظام لديه برنامجه الخاص الذي يؤمن به ويمارسه. تاركوفسكي وبرادجانوف أيام الاتحاد السوفياتي وستانلي كوبريك وفرنسيس فورد كوبولا إزاء نظام الاستديوهات الأميركية.
وفي العالم العربي غاب مخرجون كثيرون وهم أحياء، لكن محمد ملص أشبه بالعرّاب الذي لا تقدم للسينما العربية فنياً من دونها.

قد يهمك أيضا :  

محمد ملص يقدم وثيقة سينمائية رمزية عن الأحداث في بلده

الأمن السوري يوقف المخرج المعروف محمد ملص

View on libyatoday.net

أخبار ذات صلة

ليندا حجازي تحاضر في اتحاد الأدباء عن تاريخ الموسيقى…
سيد الوكيل يؤكد أن تجربة عبدالحكيم قاسم افتقدت إلى…
معين عبد الملك يؤكد أن الحكومة اليمنية هدفها استكمال…
عبادي يؤكّد أن زيارة معسكر "آوشفيتز" تبدد الشكوك حول…
زاهي حواس يؤكد أن الحديث عن لعنة الفراعنة خرافة…

اخر الاخبار

تسجيل 487 إصابة جديدة بفيروس كورونا المستجد في ليبيا
نقل محولين إلى محطتي الخضراء الجديدة والمصابحة في ترهونة
إطلاق خط بحري جديد بين الموانئ الإيطالية والليبية
مفوضية اللاجئين تتصدق بمواد غذائية على 2500 أسرة ليبية

فن وموسيقى

روجينا تكّشف أنها تحب تقديم شخصيات المرأة القوية فقط
رغدة تكشف كواليس مشاركتها في مسرحية "بودي جارد" مع…
ريهام عبد الغفور تكشف أنّ قِلة ظهورها في الدراما…
هيفاء وهبي تُعرب عن استيائها الشديد من الأحداث المؤسفة…

أخبار النجوم

نور تؤكّد أن "درب الهوى"سيكون تجربة درامية شديدة الاختلاف
أحمد جمال يعرب عن تفاؤله بالعام الجديد 2021
أروى جودة تؤكّد أن أصداء مشهد "ده هاني" في…
مايا نصري تكشف سبب ابتعادها عن الساحة الغنائية لعدة…

رياضة

قرعة الدوري الليبي تسفر عن قمة بين الأهلي بنغازي…
فريق الأخضر يضم إلى صفوفه االمدافع وجدي سعيد
قبل مواجهة الاتحاد الليبى كورونا تضرب بيراميدز
نادي المدينة يتعاقد مع "سالم عبلو " استعداد ًا…

صحة وتغذية

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها
طبيب يحذر من خطأ "كارثي" يبطل فعالية لقاحات كورونا
الولايات المتحدة الأميركية تستقطب ربع إصابات كورونا في العالم
10 حالات غريبة يكشف عنها الطب خلال 2020

الأخبار الأكثر قراءة