الرباط - المغرب اليوم
تمكنت الصحافة الملغاشية، من الحصول على حوار صحافي نادر مع العاهل المغربي الملك محمد السادس، فمنذ إعتلائه العرش سنة 1999 لم يجر أي حوار منذ 13 سنة. وأجرى الملك محمد السادس حديثا صحافيا على هامش زيارته الرسمية إلى دولة مدغشقر، حيث أكد أن "ملك المغرب هو أمير المؤمنين بجميع الديانات"، مضيفا قوله "إن إفريقيا مطالبة اليوم بأن تضع ثقتها في إفريقيا".
ويشار إلى أن من بين الحوارات النادرة التي أجراها الملك المغربي مع الصحافة الأجنبية، حواره مع مجلة "التايم" الأميركية سنة 2000، ومجلة "باري ماتش" الفرنسية سنة 2001، وأيضا حواره مع صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية سنة 2001. ويذكر أن العاهل المغربي الملك محمد السادس حل في مدينة أنتسيرابي (170 كلم جنوب العاصمة مدغشقر)، في زيارة رسمية لجمهورية مدغشقر.
وفي ما يلي النص الكامل للحديث الصحافي الذي نشرته اليوم السبت عدد من وسائل الإعلام:
- سؤال: جلالة الملك، شكرا لكم على إستقبالنا. أنتم الآن في مدغشقر في إطار جولة في إفريقيا، ما الذي تمثله بالنسبة لكم هذه الزيارات التي تقومون بها للبلدان الإفريقية ؟
- جواب جلالة الملك : في البداية، أود أن أتقدم بالتحية لأشقائي الأفارقة ولقارتنا. كل زيارة لإفريقيا تشكل بالنسبة لي مناسبة لربط الصلة من جديد بالسكان الأفارقة الذين أكن لهم كل التقدير والإحترام.. إفريقيا تعلمني الغنى الحقيقي، ألا وهو غنى القلب. المغرب وإفريقيا كيان واحد. والفصل بينهما يعد إقتلاعا للجذور، وهو خطأ.
فخلال الزيارات التي أقوم بها لإفريقيا أو عبر المشاريع التي أقوم بإطلاقها فيها، لا يتعلق الأمر البتة بإعطاء دروس، بل في المقابل أقترح أن نقوم بتقاسم تجاربنا.
الأكيد أن الرهانات التي يتعين علينا كسبها في إفريقيا هي رهانات كبرى. غير أن النساء والرجال والأطفال الذين ألتقي بهم خلال زياراتي يمنحونني القوة من أجل المواصلة. يشعرونني، كلهم، بالإفتخار بكوني إفريقي، أن أكون كما وصفني فخامة رئيس الجمهورية "إبن البلد".
- سؤال : لقد عدتم للتو من أنتسيرابي حيث حضرتم عددا من الأنشطة وقمتم بزيارة الأماكن التي أقامت بها الأسرة الملكية. كيف مرت هذه الزيارة ؟
- جواب جلالة الملك : لقد كانت الزيارة التي قمت بها يوم الأربعاء مؤثرة للغاية. لقد عاش جدي والأسرة الملكية سنتين في أنتسيرابي. وعلى عكس ما يكون عليه الأمر عادة في المنفى، إحتفظت أسرتي بذكريات رائعة بخصوص هذه الإقامة القسرية كما إحتفظت بأواصر متينة مع مدغشقر، لاسيما مع أنتسيرابي.
إنه السبب الذي جعلني أحرص على زيارة المدينة وأقرر إطلاق مشاريع لفائدة سكانها: أسعى لإحداث مركز للتكوين المهني في السياحة والبناء والأشغال العمومية وتشييد مستشفى للأم والطفل، الذي سيؤمن أيضا تكوين الأطر الطبية.
وفي هذا الصدد، أود رفع كل لبس: الشائعات التي تفيد بأن هذه المشاريع لن تعود بالنفع سوى على الطائفة المسلمة لا أساس لها من الصحة. فهذه المشاريع، موجهة بطبيعة الحال، لمجموع السكان. ملك المغرب هو أمير المؤمنين، المؤمنون بجميع الديانات.
الشعب الملغاشي شعب منفتح، شعب يمتلك قلبا نقيا. وبلدي المغرب لا يقوم البتة بحملة دعوية ولا يسعى قطعا إلى فرض الإسلام. في الدولة المغربية، الإسلام معتدل، وسمح. لقد التقيت بإمام مسجد محمد الخامس في أنتسيرابي، الذي سبق له أن زار المغرب والإستفادة من تكوين "معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات"، إنه مركز تتطلع أعداد متزايدة من المشاركين المنحدرين من بلدان مختلفة، ليحظوا بفرصة الولوج إليه.
- سؤال: كيف تعتزمون جلالتكم النهوض بالشراكة بين المغرب ومدغشقر؟
- جواب جلالة الملك : قبل أن أتوجه إلى أنتسيرابي في زيارة ذات رمزية خاصة، ترأست في أنتاناناريفو، مع فخامة الرئيس، مراسم التوقيع على العديد من إتفاقيات التعاون: إنها تترجم إرادة الدولة المغربية في تقديم مساعدة قوية للحكومة الملغاشية وتحسين ظروف عيش سكانها، وهو الهدف من مشاريع تشييد بنيات تحتية إجتماعية وأخرى للتنمية الإقتصادية.
تتمتع مدغشقر بمؤهلات وموارد لا يمكن تجاهلها لضمان النجاح. والمغرب على إستعداد لمواكبتها من خلال قطاعاته الوزارية ومقاولاته العمومية وقطاعه الخاص. وسأعمل بشكل خاص على تشجيع القطاع الخاص المغربي على الإنخراط في مشاريع في مدغشقر، في إطار تعاون متكافئ وعلى قدم المساواة مع نظيره الملغاشي.
وبتزامن مع إنعقاد مؤتمر باريس، سأقوم بزيارة إلى أبوجا. وسأحرص مع ذلك على أن يكون المغرب حاضرا في باريس، من خلال وفد هام يدعم المشاريع ذات الأولوية الخاصة بالبنيات التحتية في مدغشقر، كما سيشارك ممثلون عن الحكومة وعن القطاع الخاص بفاعلية في أشغال المؤتمر.
وكما أحرص على ذلك في كل مكان، سواء في المغرب أو الخارج، سأتابع شخصيا إنجاز مجموع هذه العمليات. سأعود إذن إلى مدغشقر.
- سؤال : وماذا بخصوص القارة الإفريقية، يا جلالة الملك ؟
- جواب جلالة الملك : إن نموذج التعاون، الذي نأمل في إنجازه هنا، مماثل لذلك الذي نعمل على تطويره في عدد من البلدان الإفريقية.
وفي الواقع، أتطلع لإقامة نموذج للتعاون جنوب- جنوب قوي ومتضامن، بين عدد من بلدان القارة الإفريقية. وكما قلت في خطابي في أبيدجان، في فبراير شباط 2014، "إفريقيا مطالبة اليوم بأن تضع ثقتها في إفريقيا". وفي إطار تعاون، خال من العقد، يمكننا، جميعا، بناء المستقبل.
يتوفر المغرب على مشاريع في عدد من بلدان إفريقيا. نحن نحرص على أن نعطي ونتقاسم، بدون أي تعال أو غطرسة، أو أحاسيس إستعمارية. وأحث المقاولات المغربية على اللجوء إلى مكاتب الدراسات واليد العاملة المحلية.
ومن أجل تجسيد هذا النموذج للتعاون الإفريقي، على أرض الواقع، أحرص على التنقل بإستمرار داخل القارة، هذه القارة التي ينتابني فيها شعور بالإرتياح، وأعرب بشكل خاص عن تقديري لمظاهر الحفاوة واللطف التي يعبر عنها السكان تجاهي. أشعر على الدوام بإعتزاز متزايد ومتنام بكوني إفريقيا. كما أشعر بتعلق قوي تجاه هذه القارة.
- سؤال: هل يندرج كل هذا في إطار عودة المغرب إلى الإتحاد الإفريقي ؟
- جواب جلالة الملك : أعلم أن الحضور المغربي في إفريقيا، وبشكل خاص الجولة التي أقوم بها حاليا، لا تروق للبعض. ولكن، الكل يعترف بأننا لم ننتظر الإعلان عن عودة المغرب إلى الإتحاد الإفريقي من أجل العمل والإستثمار في إفريقيا.
جميع الدول، سواء تعلق الأمر بالأصدقاء القدامى أو الأصدقاء الجدد، لاسيما في شرق إفريقيا، أجمعوا على دعم إعادة إندماج المغرب في الإتحاد الإفريقي. لقد إتخذت مبادرة القيام بهذه الزيارات، دون شروط مسبقة. وعاينت بكل بهجة وسرور، ردود الأفعال المؤيدة والإيجابية التي عبرت عنها البلدان المضيفة. وأود أن أتوجه لهم بكل الشكر والعرفان.