الرئيسية » ناس في الأخبار
محمد بنعزيز

الرباط ـ المغرب اليوم

قطعتُ شارع كورنيش كازابلانكا بصعوبة نحو المركب السينمائي بسبب جنون أصحاب سيارات فاخرة ينطلقون بسرعة... لا يحتاجون السرعة لجلب الانتباه لسياراتهم الفخمة... وقفت أمام أفيش فيلم "بورن آوت" للمخرج نور الدين الخماري. أفيش فيه وجوه خلف زجاج مشقوق. ممنوع على أقل من ستة عشر سنة. هذا مؤشر عن مستوى العنف.

وبخروج هذا الفيلم إلى القاعات السينمائية (11-10-2017) يكون المخرج المغربي قد أكمل ثلاثيته التي بدأت مع فيلم "كازانيغرا" 2008 و"زيرو" 2012. حقق الفيلم الأول مشاهدة جيدة بفضل جمهور شاب يوجد بينه وبين بطليْ الفيلم (كريم وعادل، أداء أنس الباز وعمر لطفي) الكثير من التشابه في السن والمعجم والأفق الرمادي... شبيبة تجد في العنف اللفظي البيني متنفسا.

لقد جلب "كازانيغرا" الكثير من الشباب إلى القاعات السينمائية أول مرة... هل الجمهور هو المعيار؟ هذا سؤال مفتوح.
في فيلم "زيرو" عنف لفظي بيني، حتى بين الأب وابنه... وقد ساهم هذا في جلب جمهور للفيلم الجديد.
جاء مراهقون رفقة آبائهم، حاول الحرس منعهم لكن الآباء أصروا... الأجواء مرحة في أكبر قاعة ممتلئة... واضح أن لدى المخرج جمهور ينتظره... مخرج توفّر له وقت وتمويل ليصقل أسلوبه.

هذا المقال رصْد للمخرج والجمهور، العين على الشاشة والأذن للتلصص على ردود فعل المتفرجين... خاصة وأن المخرج أطلق فيلمه مبكرا وقبل عرضه في المهرجان الوطني 2018، بينما جل الأفلام التي عرضت في مهرجان طنجة الوطني فبراير 2017 خرجت إلى القاعات بعد سبعة أشهر وبعضها لم يخرج بعد بسبب الخوف من الجمهور.
بدأ الفيلم بواقعية فظيعة لماسح أحذية يتعرض للتعنيف اللفظي والبدني... رأينا هذا في كازانيغرا... ثم يظهر الطفل بين عالمين جد متباعدين... بدأ الإيقاع بطيئا بشخصيات من فضاءات متباعدة يصعب إيجاد المشترَك بينها... قد يهدد الافتعال تواصلها... يُضعف تباعد الخطوط التوتر الدرامي... لا تظهر حبكة تلملم هذه الخيوط... مع تقدم الفيلم، يتم الانتقال من البسيط إلى المركب، تكبر دوائر السرد التي تتوالد بعضها عن بعض.

بذل السيناريست جهد كبيرا في المتتاليات الحكائية الصغيرة التي تظهر فيها شخصيات ثانوية نمطية بالتناوب لتكافح الملل... تقرّب المتوالية الشخصية من هدفها وفي الكثير من هذه المتواليات يشكل الجنس حافزا أساسيا... وأسجل أنه في مسار كل الشخصيات تصرف المخرج بجرأة ودفع الوحدات السردية إلى حدودها القصوى إلا في حالة البطل الرئيسي التائه، لأنه لا خصم له ولا ورطة ليخرج منها.

الدور الرئيس مكتوب بطريقة فيها "خواءات" ويؤديه ممثل لا يعبر وجهه كثيرا... فالملياردير (أداء أنس الباز) محبط متجهم ويسلي نفسه بالانطلاق بسيارته بجنون على الكورنيش... حتى حين حصل على حريته، أي على الطلاق، لم يعرف ما يفعل بها... لدى الملياردير المديني مشكل داخلي لم يعبر عنه وجهه... ولا جدوى من الاحتجاج أن لديه حبكة سيكولوجية داخلية لا سلوكية... النتيجة أن كآبة الملياردير غير معدية للمتفرج لأن وضعه يناقض سلوكه.

إن الشخصية الرئيسية في الفيلم ذات بعد واحد وهي غنية ماليا فقط والممثل وسيم جدا فقط... شخصية الطالبة أكثر تعقيدا ولديها هدف وعناصر مساعدة وأبعاد متعدد وهي القادمة من الريف.

نتتبع الملياردير في ذهابه وإيابه بين قاع المدينة وسقفها وهو عبارة عن شقق في طوابق عالية زجاجية تجلب الغُمة لأصحابها فينزلون إلى القاع للقاء الشعب الوسخ... في هذا اللقاء المشبع بالحيوية ومع مرور الوقت تتراجع الواقعية الفظيعة لصالح التكثيف والترميز وحتى الشاعرية التي تشترك فيها الشخصيات خطوة خطوة نحو الذروة... لم ينضبط لخماري لتوجه السينما النظيفة... ففي فيلمه قُبل حَية بعد أن عرفت السينما المغربية أكثر من أربعين فيلما خجولا خلال السنوات الثلاث السابقة.

أكتب هذا المقال تحت سقف عدم إحراق تشويق مَن سيشاهد الفيلم لاحقا. يجب كشف ما يكفي من الساق للحفاظ على التشويق:

زوجة تدخل في صفقة مع الشيطان لكن في العقد شرط يضمن لها خط العودة عفيفة... طالبة تصعد السلم نحو الجحيم بوعي تام... أغنياء تعساء وفقراء يكافحون... لقاء الطبقات لا يعني تحقق المساواة بل يجعل الفوارق تقفز إلى الواجهة... في لحظات الكآبة لمسة كوميدية تغير اتجاه المشهد... وهذا يجعل الفيلم الثالث للخماري أقل سوداوية من فيلميه السابقين... في الفيلم الجديد سوداوية أقل، شاعرية أكثر... لقد طور المخرج رؤيته بين الفيلم الأول والثالث. الناقد تغير أيضا؛ فقد تراجعت عدوانيته بالتزامن مع تعمق معرفته لصعوبات إنتاج الأفلام.

في فيلم "بورن آوت" هوس بخطاطة كتابة السيناريوهات التي توصي بأن يضع السيناريست لكل شخصية سمة مميزة؛ لذلك لبعض الشخصيات انشغالات متباعدة يصعب سبكها... يجب أن يصاب الملياردير بالبلاهة ليلاعب ماسح أحذية... طالبة ريفية جائعة تحب قطة وشاب يحتفظ بسيارة ألعاب مكسورة منذ طفولته... التحول المفيد في هذه التناقضات هو حين يكتشف الملياردير عالمه وعناده الغبي بعيون الكادحين... في لحظات كثيرة يشعر المتفرج بأنها كارثة أن يصير الفرد غنيا أكثر مما يجب.

لذلك تحصل الشخصيات الفقيرة في الفيلم على تعاطف أكبر، خاصة شخصيتي الطالبة ومقاول ماسحي الأحذية. وقد أدى محمد الخياري الدور بطرافة ترسخ في الذاكرة... كان شخصية ثانوية مرسومة بدقة أكثر من الشخصية الرئيسية... مضحك بصَمْته أكثر مما هو مضحك بثرثرته التي تعود عليها المشاهد في التلفزيون... وجه الخياري على الشاشة معبر وسيشجع مخرجين سينمائيين آخرين على التعامل معه.

لقد أدار الخماري ممثليه باقتدار واقتصاد شديد، لم يفلتوا منه ليكرروا أدوارهم النمطية، فإدريس الروخ جسّد شخصية المسؤول المصاب بالانفصام بدقة، ومحمد الخياري الذي اشتهر بالزيادة من عنده في أدواره التلفزيونية لم يرتجل.

على مستوى الكاستينغ كان لا بد من ممثلة أجنبية لا تعيش في المغرب لأداء مشهد جنسي... فالمتفرج المغربي يشعر بالعار حين يرى مغربية تحت ممثل في فيلم... لكن حين تكون أجنبية لا مشكلة...

صُوّر الفيلم بكاميرا ثابتة، فيلم مغربي دون فلاش باك، شخصيات لها بدائل قليلة وهذا يزيد التوتر... لمسة كوميدية تبدد الكآبة في أشد اللحظات كارثية... والعدو الأول في المغرب للكآبة هو الحشيش. وكان المغرب سيكون بلدا مائلا قليلا لو لم يكن ينتج ما يكفي من الحشيش لأولاده. حسب الفيلم، القِوادة هي المهنة الأكثر ربحية في مدينة الدار البيضاء التي تنتج نصف ثروة المغرب؛ لذلك يتفاخر أغنياؤها بسياراتهم الفاخرة حتى لو دهسوا بها المارّة... تستهلك بورجوازية كازابلانكا آخر منتجات الحداثة التقنية لكنها تستمتع بفن فطري وموسيقى شعبية فلاحية... إنها برجوازية تقليدية وجدانيا.

في لحظات كثيرة يتراجع وزن الشخصيات لتظهر شخصية المدينة... مدينة قاسية ذات سمعة سيئة. غول، مدينة اللاعدالة، نصف مساحتها فيلات يسكنها 500000 شخص، والنصف الثاني تسكنه 6000000 نسمة. تسعون في المائة من السكان تقريبا يسكنون نصف المدينة... عظمة المدينة في سِعتها وتنوع شعبها... تصوير المدينة ليلا أكثر شاعرية.
إذا كان الفيلم الأول (كزانيغرا) بالأبيض والأسود عن الدار الكحلاء يجعلك تكره المدينة البيضاء، فالفيلم الجديد بالألوان ويجعلك تحبها.

بخلاف العادة، لم يغادر أي متفرج القاعة أثناء العرض. بعد نهاية الفيلم خرج الجمهور سعيدا من المركب السينمائي ووجد أصحاب السيارات الفاخرة يهددون سلامته بانطلاقات مجنونة على شارع الكورنيش الذي يستعرض فيه بعض مراهقي كازابلانكا حجم ثراء آبائهم.

View on libyatoday.net

أخبار ذات صلة

النويري يبحث مع السفير الإيطالي لدى ليبيا مسارات إنهاء…
"مكافحة الأمراض" سبها يعلن تسجيل 23 إصابة بفيروس كورونا
"الحويج" يناقش آليات عمل المدارس والجاليات الأجنبية في ليبيا
تخرج دفعة جديدة من طلاب تقنيات علوم البحار في…
مدير مركز طرابلس الطبي يصف وضع المركز بالكارثي

اخر الاخبار

تسجيل 487 إصابة جديدة بفيروس كورونا المستجد في ليبيا
نقل محولين إلى محطتي الخضراء الجديدة والمصابحة في ترهونة
إطلاق خط بحري جديد بين الموانئ الإيطالية والليبية
مفوضية اللاجئين تتصدق بمواد غذائية على 2500 أسرة ليبية

فن وموسيقى

روجينا تكّشف أنها تحب تقديم شخصيات المرأة القوية فقط
رغدة تكشف كواليس مشاركتها في مسرحية "بودي جارد" مع…
ريهام عبد الغفور تكشف أنّ قِلة ظهورها في الدراما…
هيفاء وهبي تُعرب عن استيائها الشديد من الأحداث المؤسفة…

أخبار النجوم

نور تؤكّد أن "درب الهوى"سيكون تجربة درامية شديدة الاختلاف
أحمد جمال يعرب عن تفاؤله بالعام الجديد 2021
أروى جودة تؤكّد أن أصداء مشهد "ده هاني" في…
مايا نصري تكشف سبب ابتعادها عن الساحة الغنائية لعدة…

رياضة

قرعة الدوري الليبي تسفر عن قمة بين الأهلي بنغازي…
فريق الأخضر يضم إلى صفوفه االمدافع وجدي سعيد
قبل مواجهة الاتحاد الليبى كورونا تضرب بيراميدز
نادي المدينة يتعاقد مع "سالم عبلو " استعداد ًا…

صحة وتغذية

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها
طبيب يحذر من خطأ "كارثي" يبطل فعالية لقاحات كورونا
الولايات المتحدة الأميركية تستقطب ربع إصابات كورونا في العالم
10 حالات غريبة يكشف عنها الطب خلال 2020

الأخبار الأكثر قراءة