الرئيسية » عالم الثقافة والفنون
الفنان التشكيلي الفرنسي كلود مونيه

القاهرة - أسامة عبد الصبور

ولد الفنان التشكيلي الفرنسي كلود مونيه بتاريخ 14 / 11 / 1840م، ويعد "مونيه رائدًا للمدرسة الانطباعية في الفن التشكيلي، وكان من أبرز زعماء طريقة الرسم في الهواء الطلق وسط الطبيعة وخارج المراسم المغلقة.


 
 في بداية حياته عشق "مونيه" البحر وظل شغوفًا به طوال حياته، وعندما بلغ سن الخامسة عشرة كان قد برع في الرسوم الكاريكاتورية، حتى اشتهر إلى الحد الذي جعله يتكسب منها عندما كان يرسم الوجوه مقابل عشرين فرنكا للرسم الواحد.

وفي عام1859م سافر إلى باريس للالتحاق بالأكاديمية السويسرية للفنون، وفي العام التالي التحق بالجيش واُرسِل إلى الجزائر، ومن هناك كتب يصف وقع الألوان الشديدة والألوان المتوهجة في هذه البلاد الشرقية على نفسه. حتى اصابته حمى التيفود وعجلت بتسريحه من الجيش، فغادر إلى باريس ليواصل تعلمه للفن، وهناك توطدت علاقته مع بعض الفنانين الشباب أمثال "رينوار" وأجتمعوا على حب الرسم في الطبيعة.


 
وعندما نشبت الحرب الفرنسية الروسية سافر مونيه إلى انجلترا هاربا من هذه الحرب، وهناك عكف على رسم المناظر الطبيعية في حدائق لندن الخلابة. ولم تلق أعمال مونيه ورينوار وغيرهم من الفنانين ترحابا من القائمين على دور العرض الفني في ذلك الوقت مما حدا بهم لإنشاء معرض مستقل لهم.


 
وهوجم المعرض من قبل النقاد، وكانت لوحة مونيه "تأثر بشروق الشمس" هي السبب في اعطاء الجماعة اسمها التأثيرية، خلال الثمانينات من القرن التاسع عشر، وفكر مونيه بأن يصبح رسامًا للأشخاص نزولًا عند نصيحة أصدقائه ومن بينهم الرسام "رينوار"، وبعد عام1890 توقف مونيه عن رسم لوحات يظهر فيها أشخاص لينتقل إلى رسم اللوحات التي تتناول موضوعا واحدا، هو موضوع أكوام التبن المنسقة بأشكال مختلفة في حقل بجوار منزله.


 
وكتب مونيه في مذكراته عام1891 "بالنسبة لي لا وجود لمنظر طبيعي بقوته الذاتية بما أن مظهره يتغير في كل لحظة ولكن الجو المحيط يعيده إلى الحياة، بالنسبة لي يعطي الجو المحيط للمواضيع قيمتها الحقيقية".
 
 
ومابين 1892-1894 تناول مونيه موضوعا واحدا خلال اوقات مختلفة في اليوم الواحد سواء في الصباح أو الظهيرة أو المساء أو في الليل، وكذلك في اجواء مناخية مختلفة وخرجت أعماله تحت مسمى "سماء غائمة- سماء صافية- ضباب وندى" وكان مونيه الرائد في هذا الاكتشاف، إذ لم يسبق لاحد غيره أن تغيرت حالات لوحاته واكتسبت حقائق عديدة لموضوع واحد.

وبدأ مونيه في عام1899 برسم لوحاته من حديقة منزله التي أنشأها في اوائل الثمانينات من القرن التاسع عشر والتي جعل منها لوحة بديعة التنسيق من الأشجار والأزهار كالنرجس والصفصاف، بينما تتوسطها بركة ماء ويتخللها غدير وجسر، وتنعكس الألوان والأضواء فيزداد المكان فتنة وجمالا.


 
وفي هذا المكان لم يكن يستقبل مونيه سوى الاصدقاء الحميمين أمثال السياسي "كليمنصو" الذي لازمه طوال حياته، ولم يكن "مونيه" يهتم من متاع هذه الدنيا وحطامها سوى بزهوره، فقد كانت حديقته من أجمل حدائق الدنيا وكان يقرر لونها قبل شهور، فيقول مثلا: هذه السنة أريد أن تكون حديقتي كلها بنفسجية اللون.


 
وكان لـ" انطباع شروق الشمس " هذه اللوحة المثيرة من خلال أسلوبها المختلف تماما عن الأساليب الكلاسيكيّة والتي عرضت حينها في الصالون الرسمي للفوتوغرافي " ندار" سنة 1874، الأثر الذي من خلاله جاءت تسمية " الانطباعية ".
 
وهي تسمية أطلقها الناقد" لويس ليروي " استهزاءً بنتاج "مونيه" الفني، ولكن كلود مونيه واصل عرض أعماله مع مجموعة الرسامين الذين أحدثوا ثورة في الفن في منتصف القرن التاسع عشر، وهم روّاد "المدرسة الانطباعية" من أمثال "أوغوست رينوار"، و"إيدوارد مانيه "، و" بيسارو"، و"سورا" و" بول سيزان ".


 
وأحدثت تلك المدرسة نقلة نوعية في تاريخ الفن التشكيلي العالمي حيث امتازت بمغادرة الورشة والمراسم والتنقّل في الطبيعة، هذا الفعل الذي ساهم في دراسة انطباعات الضوء وتفاعلها مع اللون، كما أن الانطباعية اتسمت بمحو اللمسة الكلاسيكيّة لفرشاة الرسم بحيث أصبحت أكثر وضوحا  ، كما تميزت بالمزج البصري للألوان وتبسيط المنظور وذلك بتقليص العمق في اللوحة ، وتلوين الظلال واستعمال الألوان الصافية عكس الرماديّات الملوّنة التي كانت تستعمل مع المدارس الكلاسيكيّة .


 
ولقد حاول " كلود مونيه " دراسة كيفيّة التعبير عن الضوء من خلال إنجازه لما يقارب (50 لوحة) لنفس الموضوع "كتدرال روان" ولكن في أوقات مختلفة " الضحى، منتصف النهار، الغروب "، وهذه الدراسة التشكيليّة ساهمت في إبراز كيفيّة تأثير الضوء على اللون، وتأثير اللون على اللون المجاور له والتعبير عن ذلك تشكيليًا.
 
واهتم "مونيه" أيضًا بتناغم اللون وتناغم اللوحة في إطار معيّن، كلّ هذا عبر الضوء وتجزئته وتأثيراته على الأشياء، فعالم المرئيّات عند "مونيه" لا يستقيم إلاّ بتأثير نور الشمس.
 
ومدرسة "مونيه" الانطباعية كانت تهدف إلى إشباع العين من الطبيعة وتهتم بتسجيل الظاهر الحسي للأشياء ، وفي وقت محدد من الأوقات وهي تضع فعل الرؤية البسيط فوق الخيال كما تضع الإبصار في مكان أعلى من المعرفة.


 
واشتهرت مدرسته الفنية في فرنسا خلال النصف الثاني للقرن التاسع عشر، وذلك حينما تجمع المصورون المجدون الذين كان يتم استبعادهم عادة من صالونات الفن، ليكونوا مدرستهم التي عصفت بالمعتقدات والأساليب القديمة تحت عنوان الحرية والهيام بأجوائها.
 
وهجر هؤلاء مظاهر الرفاهية، وسعدو بالفقر والبساطة، وكان زعيمهم "كلود مونيه" (1840-1926) حيث انتسبت الانطباعية إلى إحدى لوحاته التي كانت بعنوان "انطباع شروق الشمس" وكانت هذه التسمية مدعاة للاستهزاء والسخرية ثم كانت عنوانًا لواحدة من أهم المدارس في تاريخ الفن التشكيلي.


 
وتجاهل الانطباعيون قضية "الموضوع" وانصبت اهتماماتهم على "الشكل" ونقل الإحساسات البصرية مباشرة إلى اللوحة دون تدخل الفكر الواعي، ودون العمل على تنظيم هذه الإحساسات، وأدى ذلك إلى عدم الاكتراث بالناحية الموضوعية، فكان هذا التخلص من قيد الموضوع أخطر الآثار على تطور الفن الحديث.


 
هذه الخلاصات التي توصل إليها مونيه في أعماله كانت موضع استغراب الرسامين وهجوم نقاد الفنِّ في ذلك الوقت. لكن مونيه كان سعيدًا بنتائجه، ولعل هذه النتائج هي الأرضية التي أسَّس عليها الفنانون التجريديون، فيما بعد، فنَّهم في القرن العشرين، فتحولات الأشكال، هي التي قادت "بيت موندريان" 1872-1944 إلى التجريد الهندسي، وقادت "فاسيلي كاندينسكي" 1866-1944 إلى التجريد الروحي، وكلاهما عمودا "التجريدية" البارزين في القرن العشرين.
 
وأسلم مونيه روحه بتاريخ 6 / 12/ 1926 بين ذراعي صديقه الأقرب السياسي الفرنسي الشهير "كاليمنصو" وطوال يومين نام "كليمنصو" في الغرفة المجاورة لتلك التي يرقد فيها صديقه.


 
واشرف على وضع جثمانه في النعش، وعندما أراد المسؤول عن الدفن ان يغطي النعش بالغطاء الأسود التقليدي أمسك "كليمنصو" بيده وقال "لا، ثم نظر حوله، وتقدم من النافذة، وانتزع احدى الستائر المزهرة، وغطى بها وجه "مونيه" بنفسه، وقال الاسود ليس لمونيه".

 

View on libyatoday.net

أخبار ذات صلة

"معبد الأقصر" يتزين بلوحة فنية تعود إلى عام 1800…
فنان يحول منازل قرية مصرية مهجورة منذ عشرات السنوات…
بسّام الحجار يجسد منحوتات فخارية وحجرية شخصيات تاريخية عربية
مصري يفوز بجائزة أفضل كتاب في التاريخ الاجتماعي من…
الاحتفاء بعيد الموسيقى العالمي بحفل فني من طراز الزمن…

اخر الاخبار

تسجيل 487 إصابة جديدة بفيروس كورونا المستجد في ليبيا
نقل محولين إلى محطتي الخضراء الجديدة والمصابحة في ترهونة
إطلاق خط بحري جديد بين الموانئ الإيطالية والليبية
مفوضية اللاجئين تتصدق بمواد غذائية على 2500 أسرة ليبية

فن وموسيقى

روجينا تكّشف أنها تحب تقديم شخصيات المرأة القوية فقط
رغدة تكشف كواليس مشاركتها في مسرحية "بودي جارد" مع…
ريهام عبد الغفور تكشف أنّ قِلة ظهورها في الدراما…
هيفاء وهبي تُعرب عن استيائها الشديد من الأحداث المؤسفة…

أخبار النجوم

نور تؤكّد أن "درب الهوى"سيكون تجربة درامية شديدة الاختلاف
أحمد جمال يعرب عن تفاؤله بالعام الجديد 2021
أروى جودة تؤكّد أن أصداء مشهد "ده هاني" في…
مايا نصري تكشف سبب ابتعادها عن الساحة الغنائية لعدة…

رياضة

قرعة الدوري الليبي تسفر عن قمة بين الأهلي بنغازي…
فريق الأخضر يضم إلى صفوفه االمدافع وجدي سعيد
قبل مواجهة الاتحاد الليبى كورونا تضرب بيراميدز
نادي المدينة يتعاقد مع "سالم عبلو " استعداد ًا…

صحة وتغذية

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها
طبيب يحذر من خطأ "كارثي" يبطل فعالية لقاحات كورونا
الولايات المتحدة الأميركية تستقطب ربع إصابات كورونا في العالم
10 حالات غريبة يكشف عنها الطب خلال 2020

الأخبار الأكثر قراءة