نقاش أزلي كان ومازال موضع خلاف بين المؤيدين والمعارضين، يتعلق بعقوبة الإعدام التي أحدثت انقسامًا واضحًا بين المغاربة، طوال السنوات الأخيرة، كلّما طفت إلى السطح جريمة أو واقعة معينة تحظى باهتمام واسع من قبل مختلف الشرائح الاجتماعية، لاسيما في مواقع التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى "مصنع" جديد للرأي العام في المملكة.
وقد أحْيت واقعة اغتصاب امرأة بالرباط، خلال الأيام القليلة الماضية، هذا النقاش الدائم من جديد، حيث تداولت مواقع التواصل الاجتماعي شريط فيديو يوثق لعملية اعتداء جسدي وهتك عرض سيدة باستعمال العنف.
هذه الواقعة دفعت السلطات الأمنية إلى مباشرة التحقيقات اللازمة لكشف حيثيات ما جرى، لكن شريحة عريضة من الرأي العام نادت بإعدام المجرمين، في مقابل تشبث الحركة الحقوقية بموقفها المبدئي القاضي بكون الدولة لا يمكن لها أن تنتقم من المجرمين.
الرياضي: الإعدام لا يردع الجريمة
خديجة الرياضي، فاعلة حقوقية، قالت إن العالم بأجمعه يعرف أنه لا علاقة لعقوبة الإعدام بردع الجريمة، وهي المسألة التي أكدتها الدراسات والأبحاث في المجال، على أساس أن الدول التي أبقت على عقوبة الإعدام، مازالت الجرائم البشعة والكبيرة منتشرة بها، بينما انخفض معدل الجريمة في الدول التي ألغت هذه العقوبة.
وأضافت الرياضي، أن السلطة تُشجع هذا الخطاب، حتى لا يبحث الناس عن الأسباب الحقيقية المتعلقة بالأوضاع القائمة، لاسيما ما يرتبط بإفلاس التعليم والقيم وغياب الأمن، وهي في الحقيقة الأسباب الرئيسة وراء تفشي الجرائم.
وتابعت الرياضي، أن السلطة تُحاول تصوير المدافعين عن حقوق الإنسان على أنهم يدافعون عن حقوق المجرمين؛ وهو خطأ مقصود، لأنها تريد نشر هذه الفكرة في المجتمع لتشويه الحركة الحقوقية"، مؤكدة أن "إلغاء عقوبة الإعدام لا يعني بتاتا عدم معاقبة المجرمين، أو الدفاع عن الجريمة وتبرئة المجرم.
وشددت الناشطة الحقوقية البارزة على أن الحركة الحقوقية تطمح لمجتمع ينعدم فيه القتل نهائيًا، لكن لا يجب أن تقتل، ما يجعل النقاش مجرد خطاب إيديولوجي مقصود يعمل على تسخير شتى الوسائل لتشويه الحركة الحقوقية، موردة أنه يجب عقاب المجرمين داخل ردهات المحكمة، لكن الإرادة السياسية الحقيقية غائبة لبناء مجتمع سليم ومزدهر من الناحية الفكرية والإنسانية والاقتصادية والقيمية.
العسولي: الدولة لا تنتقم
من جهتها، ترى فوزية العسولي، الناشطة الحقوقية النسائية، أنها تعارض عقوبة الإعدام من الناحية الأخلاقية، لأن الدولة لا تنتقم، بينما يفكر المتضرر في أقصى عقوبات الانتقام بطبيعة الحال، لكن الموقف المبدئي هو الحق في الحياة، ولو بالنسبة إلى الأشخاص الذين يرتكبون الجرائم ويهددون الحق في الحياة، بحيث لا يمكن أن نُقابل الجرم بجرم آخر.
وأوردت العسولي، أن محاربة الجريمة تتم من خلال "التربية، مع وسائل الزجر الأخرى، إلا أنه يجب الحفاظ على إنسانية الإنسان عبر الحق في الحياة، وهي مسألة تكون فوق الانتقام، على اعتبار أن الدولة يجب أن تنظم العلاقات وتحمي حقوق الأفراد، ثم تقوم بزجر كل الممارسات المخلّة بحقوق الإنسان، لكن ليس في إطار الانتقام ووضع الحد للحياة".
وأردفت قائلة: "صحيح، الاغتصاب جريمة فظيعة لها انعكاسات خطيرة على الضحايا، لكن معالجة الموضوع لا ينبغي أن تتم بواسطة عقوبة الإعدام، بل عبر وسائل الزجر المختلفة والتربية واستعمال الطب أيضًا، لأن جرائم الاغتصاب تكون فيها حالات للعوْد، لكن توجد حالات أيضا لا يكون فيها العود".
قد يهمك ايضا :
استنفار أمني لتأمين الزيارة الملكية المرتقبة في الدار البيضاء
الخلفي يكشف كواليس استنفار الحكومة لمواجهة خطر سنة دراسية بيضاء في المغرب
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر