السفير البريطاني لدى المغرب يحكي عن زيارته لجبال الأطلس
آخر تحديث GMT 06:12:26
المغرب اليوم -

السفير البريطاني لدى المغرب يحكي عن زيارته لجبال الأطلس

المغرب اليوم -

المغرب اليوم - السفير البريطاني لدى المغرب يحكي عن زيارته لجبال الأطلس

السفير البريطاني لدى المغرب
الرباط - المغرب اليوم

الطقس كان ماطرًا عندما حللنا في مراكش، وكانت الأجواء تنبئ بعاصفة وشيكة لما كنا نشق طريقنا عبر الأرض المنبسطة على التخوم الشمالية لمدينة مراكش الساحرة، انهمر المطر ونحن نعبر طريقنا ببطء خارج المدينة نحو جبال الأطلس التي كانت تتراءى لنا عن بعد.

مع تهاطل المطر، انخفضت درجة الحرارة. في تلك الأثناء بلغت درجة الحرارة ذلك الصباح في الرباط 21 درجة، أما الآن، وفي ظل الجبال، باتت درجة الحرارة متدنية في حدود 8 درجات، لاسيما أن ذلك النسيم الحاد المصاحب للمطر كان يفاقم من شدة البرودة.

ركن فؤاد السيارة خارج مسكن الطالبات الأول. و الامطار تتهاطل بغزارة على الزجاج الأمامي للسيارة، أمسكت بمعطفي ومشيت خطاي في الوحل نحو باب المسكن، وقدماي تتخبطان في البرك.

هناك في الداخل، كان موقد نار يبعث ببعض الدفء، ولكنه لم يكن كافيا لأن ما من أحد تجرأ على خلع معطفه، كانت الفتيات منهمكات في إعداد الفروض المنزلية، بكل هدوء وتركيز، رفعن رؤوسهن في اتجاهي بتحية استقبال "أهلا وسهلا".

تداعت الكثير من الأفكار إلى ذهني دفعة واحدة...

مند عشر سنوات، أنشأ رجل بريطاني مؤسسة التعليم للجميع في أسني. تروم هذه المؤسسة الخيرية مساعدة الفتيات المنحدرات من الأوساط القروية الفقيرة والمعزولة للحصول على الفرصة لمواصلة تعليمهن بعد سن 12.

ويوجد عدد كبير من المدارس الثانوية في الأوساط القروية المحلية التي يسجل فيها عدد هائل من التلاميذ بما يتجاوز طاقتها الاستيعابية، وبالتالي أصبح الجدول الزمني يدار وفق نظام "التناوب".

فعلى الرغم من أن الدروس تنطلق على الساعة الثامنة والنصف صباحا، إلا أنه غالبا ما يقضي التلاميذ ساعات شاغرة خلال اليوم. وهذا كفيل بحمل الآباء القلقين إزاء ما تفعله بناتهم خلال تلك الفترات الشاغرة على منعهن من الالتحاق بالمدارس الثانوية نتيجة لذلك.

ومن ثم، انكبت مؤسسة "التعليم للجميع" على بناء مساكن للفتيات بالقرب من المدارس الثانویة القروية، بما يوفر لهن بيئة آمنة تمكنهن من العيش والعمل والدراسة، واللجوء إليها خلال ساعات الفراغ. تصل الفتيات صباح يوم الاثنين ويعدن إلى ديارهن بعد ظهر يوم الجمعة.

جدير بالإشارة أن نسبة النجاح بلغت مستوى هائلا: 83٪ من الفتيات اللواتي يستفدن من مساكن "التعليم للجميع" يلتحقن بالجامعة، وفي السنة الأولى من إقامة هذه المساكن، كانت مؤسسة "التعليم للجميع" تتضرع إلى الآباء للسماح لبناتهم بالإقامة في تلك المساكن. أما الآن بات الطلب يفوق العرض بشكل كبير.

لقد سبق أن جئت إلى هذه المساكن والمضاجع مساء ذلك اليوم البارد من شهر دجنبر. هي مساكن متينة مبنية بشكل جيد، تشتمل على مطابخ جيدة وفضاءات للدراسة وتناول الطعام، والنوم والدردشة، إلا أنها ليست فاخرة.

أثناء تجوالي في ممرات المساكن تبين لي جليا لِمَ ترتفع نسبة النجاح في هذه الأوساط. تنحدر الفتيات المقيمات في هذه المساكن من الأسر الأشد فقرا في القرى الأشد فقرا. فقد رأيت صورا لبعض منازلهن -عائلات بأكملها تعيش وتأكل وتطبخ وتنام في غرفة واحدة. ولم يسبق لأحد في الأسرة أن التحق بالمدرسة. لقد حظيت هذه الفتيات بفرصة هائلة للتعلم، فأمسكن بها بكلتا اليدين.

لقد أصابني جراء ذلك الحرج من المفارقة في المملكة المتحدة حيث نعتبر الولوج إلى التعليم الرسمي تحصيل حاصل، بل وغالبا ما نهدر تلك الفرصة. وأدركت مجددا مدى أهمية التعليم. فبدونه سيتكالب عليك سوء الطالع ولا سبيل لك إلى تحقيق الذات أو التنمية الذاتية أو الإسهام في المجتمع. وما لم تحصل الفتيات والنساء على تعليم كامل، فإن البلد يفقد على الفور 50٪ على الأقل من إمكاناته ومقدراته، مع ما يترتب على ذلك من خسائر اقتصادية وسياسية.

توقف المطر في منتصف جولتي في مساكن الفتيات، فذهبنا إلى السطح لنجده مغمورا بالأمطار الغزيرة في الوقت الذي انقشعت فيه الغيوم إيذانا بأمسية رائعة. كان المنظر أخاذا حيث كانت الثلوج التي تساقطت تزين قمة توبقال الذي كان ينتصب بكل بهاء في نهاية الوادي وفي وسط هبوب الريح.

عند العودة إلى الداخل، ألقينا نظرة على مختلف الغرف. بفعل الطلب المتزايد، تمت إعادة ترتيب الأسرّة ذات الطابقين، التي صممت أصلا لأربعة فتيات لتأوي الآن ست فتيات.

لم تكن الغرف تتوفر على التدفئة، وكنا نرى أنفاسنا تنبعث من أفواهنا أثناء الكلام، مجددا أصبت بالحرج عندما استذكرت السخانات الكهربائية لدينا في المنازل البريطانية وكيف اندرجت ضمن الكماليات العادية - لتتأبطها الفتيات تحت البطانيات كل ليلة.

ولما كنت أسير على طول الطريق البارد لزيارة مسكن آخر، تمسكت بمعطفي ملقيا إياه حول أذناي، وتمثل أمامي كيف أصبحت هذه الفتيات مصدر إلهام، ممتنات للفرصة التي قدمتها لهن مؤسسة "التعليم للجميع"، وكيف صرن عازمات على تحقيق أقصى استفادة من هذه الفرصة بكل جد ومثابرة. وعلى التو أصبحن أمامي نموذجا يذكرنا بعدم الاستهانة بأي شيء في الحياة.

أدركت حينئذ أن التعليم بنحو مستدام كفيل لوحده أن يمكن هؤلاء الفتيات (وآلاف أخريات مثلهن في مختلف أنحاء البلاد) من تحقيق أحلامهن ليصبحن طبيبات ومعلمات ومحاميات وقادة الغد: وقتئذ سيكون المستقبل حقا أكثر إشراقا.

libyatoday
libyatoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السفير البريطاني لدى المغرب يحكي عن زيارته لجبال الأطلس السفير البريطاني لدى المغرب يحكي عن زيارته لجبال الأطلس



لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:17 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج القوس

GMT 07:43 2018 الإثنين ,15 تشرين الأول / أكتوبر

صحافي بريطاني يكشف درسين قيّمين عن التقاليد اليابانية

GMT 06:32 2017 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

مجرد درس مغربي آخر !

GMT 10:24 2017 الإثنين ,25 أيلول / سبتمبر

ثيلان بلونداو تخطف القلوب في أسبوع موضة ميلانو

GMT 10:11 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

الغموض يلفّ وفاة شقيقتيْن بمدينة "أولاد تايمة‬"

GMT 12:00 2020 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

واجهي خيانة زوجك بـ "اتيكيت" خاص

GMT 01:04 2020 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

اتحاد الكرة يفصل في قصة اعتذار الرجاء خلال أيام

GMT 00:34 2020 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

البنتاغون يحدد مصدر الهجمات على "عين الأسد"

GMT 10:01 2019 السبت ,04 أيار / مايو

توقعات أحوال الطقس في المغرب اليوم السبت

GMT 20:17 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

الدولي أيوب الكعبي يغيب عن مباراة المغرب والكاميرون

GMT 04:52 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

توقيف قيادي في حركة "نداء تونس" مطلوب بمذكرات تفتيش

GMT 03:22 2018 السبت ,30 حزيران / يونيو

بئر مسموم يهدد حياة السكان في شيشاوة

GMT 00:05 2018 الجمعة ,30 آذار/ مارس

ماذا تبقى من تجربة التناوب؟

GMT 12:48 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

حمزة الصنهاجي سعيدًا بانضمامه إلى الدفاع الجديدي

GMT 02:31 2016 الثلاثاء ,19 تموز / يوليو

قنديل بلوشي فنانة انتهت حياتها بشكل مأساوي جدًا

GMT 16:22 2012 الثلاثاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هل يفعلها زويل ؟؟
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya