«وعد» بلفور  مجرد توضيح

«وعد» بلفور ... مجرد توضيح

المغرب اليوم -

«وعد» بلفور  مجرد توضيح

بقلم - عريب الرنتاوي

ما يسمى بوعد بلفور ليس وعدا، بل قرارا رسميا اتخذته حكومة بريطانيا لانشاء وطن قومي يهودي في فلسطين، فهناك فرق شاسع بين الوعد وبين القرار الذي تعهدت باتخاذ الاجراءات الكفيلة بتنفيذه. ويؤكد بلفور في رسالته للورد روتشيلد هذا التوصيف في نص الرسالة ويقول : “ انه من دواعي سروري الكبير ان انقل اليكم باسم حكومة صاحب الجلالة الاعلان التالي عن التعاطف مع الاماني اليهودية والصهيونية الذي تم عرضه واقراره بواسطة مجلس الوزراء “. “ويقول في مكان اخر من القرار” ان حكومته ستبذل قصارى جهدها لتسهيل تحقيق هذا الهدف “.وكان مجلس الوزراء البريطاني قد اتخذ قبل ذلك بشهرين، قرارا بتكوين فيلق يهودي يشارك في الحرب العالمية الاولى، ليكون قوة عسكريه يهودية مستعدة للمستقبل جاهزة له، ونواة لجيش الدولة اليهودية.  
الظروف الداخلية البريطانية التي ادت الى صدور هذا القرار، كانت تحمل كل معاني التعصب الديني والاطماع السياسية. وتقول المؤرخة البريطانية الشهيرة كارين ارمسترونغ في كتابها “الحرب المقدسة “. “ان الذي جعل بريطانيا تفي بوعد بلفور برغم كل المعوقات خلال تلك الفترة الحاسمة من التاريخ يكمن بالتاكيد في التقليد الطويل والمعقد للصهيونية البريطانية التي مست وترا حساسا في الهوية البروتستانتية للانجليز. لامراء في ان بلفور كان في عام 1917النموذج السياسي المتلاعب المناور، وكان يامل في ان يكسبه وعده الدعم اليهودي لبريطانيا في الحرب، كما كان واعيا للاهمية الاستراتيجية التي تستاثر بها فلسطين. لكن قبل ذلك كان بلفور يستلهم في عمله التقاليد المسيحية البروتستانتيه. فقد تربى في اخضان الكنيسة السكوتلنديه واثرت فيه بقوة، الصورة التوراتية لفلسطين اليهوديه”. وقد استطاع بلفور ان يعول على تاييد ومساندة جيل من السياسيين الانجليز لفكرته كان يضم رئيس الوزراء ديفيد لويد جورج الذي القى خطابا امام الجمعية التاريخية اليهودية عام 1925قال فيه “ نشأت في مدرسة تعلمت فيها تاريخ اليهود اكثر من تاريخ بلادي، فانني لا انظر الان الى فلسطين الا باعتبارها يهوديه “. 
وكانت السياسة البريطانية قبل الحرب واثناءها وبعدها تعرف ماتريد، تفكر فيه وتناقش احتمالاته، وتتردد مرة ثم تحزم امرها وتتصرف. كانت التصورات البريطانية القديمة لاتزال سارية. بل ان عملية تجديد طرأت عليها بتوصية تقدم بها رئيس وزراء بريطانيا “كامبل بانرمان “ في الفترة السابقة على الحرب مباشرة وجاء فيها بالنص “ ان اقامة حاجز بشري قوي وغريب على الجسر الذي يربط اوروبا بالعالم القديم ويربطهما معا بالبحر الابيض والبحر الاحمر،، هو مطلب يجب ان يكون هاديا لنا باستمرار. ويتعين علينا ان نضع في هذه المنطقة وعلى مقربة من قناة السويس قوة معادية لاهل البلاد وصديقة للدول الاوروبية وعارفة لمصالحها. ومن المحتم ان نجد الوسيلة العملية لتنفيذ هذا المطلب.” ولم يكن ذلك يعني شيئا اخر غير انشاء دولة يهودية في فلسطين.كانت تلك بعضا من الظروف البريطانية التي ادت لاتخاذ قرار بانشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. ولم يكن للحكومة البريطانية ان تسمح لنفسها او تثق بقدرتها على اتخاذ هذا القرار والبدء باتخاذ الاجراءات التدريجية لتنفيذه، خاصة بعد ان استطاعت توثيقه في عصبة الامم كوثيقة دولية وحصلت على موافقة الولايات المتحدة عليه. لم تكن تستطيع ذلك لولا الظروف الماساوية التي كانت تعيشها الامة العربية في تلك الظروف الانتقالية بين بدايات الحرب العالمية الاولى ونهاياتها. فلم تكن هناك دول عربية اوكيانات رسمية تستطيع ان تواجه هذه السياسات والمخططات لدولة عظمى توشك ان تحقق انتصارا تاريخيا في حرب عالمية استمرت اربع سنوات. فقد كانت الامة العربية لاتزال تعتقد انها شاركت في الحرب ضد تركيا وانها اختارت بمشيئتها الحرة هذه المشاركة، وان عليها ان تكافأ بتحقيق اشواقها وتطلعاتها نحو الاستقلال بعد اربعة قرون من الاحتلال التركي الذي لم يكن له منتج في النهاية سوى الجهل والفقر والمرض وغياب العرب عما يجري في العالم القريب منه والبعيد نخبا وشعوبا. فبينما كانت القرون الاربعة الماضية مساحة واسعة من الزمن لتقدم الاوروبيين كانت تلك القرون زمنا عربيا للتراجع هم والسلطة العثمانية التي بدأت قوية ثم نخرها الفساد والتخلف عن الدول الاوروبية رغم ان هذه الدول كانت على مرأى العين والتفكير، قريبة منها وتمارس عليها نتاج تقدمها بصلافة وغرور.
وكان اول رد فعل للامة هو انها راحت تتلفت بمشاعر الامل والقلق صوب النخب والقيادات ممن كانوا على الواجهة. تنتظر ردهم على صدمتين كبريين احداها خاصة بالامة كلها وهي اتفاقية سايكس بيكو، والثانية خاصة بفلسطين وهي ما سمي بوعد بلفور، رغم ان الصدمتين كانتا متقاربتين بل متلازمتين في مفاعيلهما واهدافهما المتوسطة والبعيدة المدى على الامة كلها.
ومن الحق ان ذلك كان فيه تحميل للامور باكثر مما تحتمل. ذلك ان المخططات الدولية كانت اقوى من علم وطاقة الامة كلها التي كانت في ذلك الوقت تبحث لها عن موقع في عالم مضطرب تغلبت فيه القوة على اخلاقيات الحرب والسياسة وتنظر الى المستقبل اكثر مما تنظر الى الحاضر التي كانت فيه فاقدة الوعي عن معظم معاني وابعاد ما يجري فيه.
لقد جرت بعد ذلك مياه كثيرة في ساحات الامة ولم تكن لصالح حاضرها اومستقبلها، حيث نفذت سايكس بيكو وتوابعها وما سمي بوعد بلفور الذي لانزال نصر على انه مجرد وعد وليس قرارا استراتيجيا حكمته العقائد التوراتية التي اختلطت بالمسيحية. كما حكمته الاطماع السياسية لدول استعمارية تحتفل الان وترقص على شواطئ برك الدم الفلسطيني والعربي، وتدعي تمسكها بتاريخ وحاضر من الاخلاقيات والتحضر. اننا نعيش اليوم العالم ذاته الذي ولد فيه “وعد بلفور “ وقبله “سايكس بيكو” وان تغيرت الملامح والوجوه، وتعمقت الادعاءات وسبل التضليل.   

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«وعد» بلفور  مجرد توضيح «وعد» بلفور  مجرد توضيح



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:08 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العذراء

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 14:43 2018 الجمعة ,28 كانون الأول / ديسمبر

قائمة بأسماء أفضل المطاعم في مدينة إسطنبول التركية

GMT 23:38 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

9 أسباب لفشل عمليات أطفال الأنابيب

GMT 11:09 2018 الأربعاء ,25 إبريل / نيسان

كلويه CHLOE عطر بروح الأناقة من "نو مايد "

GMT 16:16 2019 السبت ,16 آذار/ مارس

دبي تقدم أغلى عطر في العالم "شموخ "

GMT 07:03 2018 الأحد ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تذوق أشهى الأطعمة والمشروبات الساخنة في "نوفوسيبرسك"

GMT 15:32 2018 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

برنامج طبي خاص للاعب طائرة الأهلي عبدالحليم عبو

GMT 22:34 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

ارتفاع مخزونات النفط الأميركي الخام إلى 6.490 مليون برميل

GMT 08:39 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

الياباني يوشيهيتو نيشيوكا يحصد لقب بطولة شينغن للتنس

GMT 13:56 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف يؤكّد أن عمر جمال يملك عرضًا للرحيل

GMT 04:51 2018 الإثنين ,09 تموز / يوليو

تعرفي على أهم العطور المفضلة لدى المشاهير

GMT 02:00 2018 الأربعاء ,28 شباط / فبراير

ديكورات مثيرة لحمامات كلاسيكية باللون الرمادي

GMT 01:32 2018 الإثنين ,12 شباط / فبراير

لسه فاكر

GMT 15:46 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

الكاتب مصطفى محرم يُشير إلى أقرب الأعمال إلى قلبه

GMT 05:18 2013 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"تويوتا" FCV تستعرض تقنية خلايا الوقود وستطرح

GMT 18:18 2016 السبت ,21 أيار / مايو

بريشة:سعيد الفرماوي

GMT 16:29 2020 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

إيطاليا تدعو إلى استئناف إنتاج وتصدير النفط الليبي دون شروط
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya