«الإخوان»في مداولات الكونغرس ومجلس العموم

«الإخوان»في مداولات الكونغرس ومجلس العموم

المغرب اليوم -

«الإخوان»في مداولات الكونغرس ومجلس العموم

بقلم : عريب الرنتاوي

لم تحظ حركة سياسية بالاهتمام من قبل حكومات وبرلمانات دول عديدة (وأجهزتها الأمنية بالطبع)، مثل الاهتمام الذي حظيت وتحظى به جماعة الإخوان المسلمين، أقله منذ انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار المعسكر الاشتراكي، وتآكل “الخطر الشيوعي” الذي استبد بالغرب وحلفائه طوال أزيد من عشريات أربع من السنين.

الكونغرس والإدارة، ومن خلفها “المجمع الأمني” الأمريكي، يبحثون ويراجعون ويقيمون وضع الجماعة وتصنيفها، وما إذا كان يتعين على الولايات المتحدة اعتبارها منظمة “إرهابية” وإدراجها في قائمة الأعداء، أم نقلها إلى قائمة “الحلفاء المحتملين” ... النقاش ذاته يدور في ويستمينستر و”10 داوننغ ستريت” ... دول عربية فعلت الشي ذاته، ولكن من دون مكابدة مشقة الدخول في مناقشات معمقة، حول هوية الجماعة ودورها وبرنامجها وصلاتها المحتملة بالأعمال العنفية والمنظمات الموصوفة بالإرهاب... دول قررت الدخول في مطاردة شرسة (مكارثية) للجماعة من دون أن تبذل جهداً في إقناع الرأي العام لديها بوجهة نظرها ومقاربتها للمسألة.
لماذا هذا الاهتمام؟ ... لماذا هذا الالتباس؟ ... لماذا هذا الاستهداف؟

مصدر الاهتمام، يعود في الأساس إلى حجم الجماعة وثقلها الشعبي والجماهيري الوازن، الذي تكشفت عنه ثورات الربيع العربي وانتفاضاته، وهو أمرٌ كان معلوماً من قبل وموضع تقدير دقيق من قبل الخبراء والمختصين، بيد أنه بات حقيقة مسلم بها، بعد أن كشفت صناديق الاقتراع عمّا في جوفها، عند أول انتخابات حرة ونزيهة تشهدها دول عربية عديدة ... ثقل الجماعة الشعبي له أسباب عديدة ليس هنا والآن، مكان مناقشتها، لكننا سنكتفي بالإشارة إلى “تاريخية” الجماعة، التي ستطوي العام المقبل، تسعة عقود على تأسيسها لأول مرة في مصر.

أما سبب الالتباس، فيعود إلى المكانة التي تحتلها الجماعة في “سلة الإسلام السياسي” متعددة التيارات والمذاهب والمشارب ... فهي من جهة تشاطر كثير من حركات التطرف والإرهاب كثيرا من مرجعياتها الفكرية والسياسية، وتعفُّ عن انتقادها أو الاشتباك فكرياَ وسياسياً معها، لكنها من جهة ثانية، تميل لاعتماد التدرج والوسائل السلمية “الناعمة” في نشاطها السياسي والدعوي والتربوي والاجتماعي ... هي “فرّخت” الكثير من قيادات وكوادر الجماعات الإرهابية، بيد أنها نأت بنفسها عنهم، ولم تجار هذه الجماعة في إعمالها الإجرامية.

وسبب الالتباس الآخر، يعود إلى التباين في النظر إلى “الوظائف” التي يمكن للجماعة أن تؤديها ... فهي تعرض “قناة إسلامية” للمشاركة في العمليات السياسية المرغوبة في دولنا ومجتمعاتنا، ويمكنها أن تشكل “مصدّاً” في وجه جماعات التطرف والغلو والإرهاب ... لكن في المقابل، هناك من يرى أن نشاط هذه الجماعة الدعوي والسياسي، يعمل على تخصيب التربة، التي ستنبت منها عند أول منعطف، جماعات التكفير والإرهاب.

وعن سبب الاستهداف المنهجي وحملات الاستئصال المنظمة، التي تشهدها دول عربية بخاصة، ضد الجماعة، يمكن القول إنه يتلخص في كونها “الجماعة الوحيدة” التي تنازع بعض هذه الحكومات “الشرعية الدينية” التي تنسبها لنفسها من جهة، ولكونها الجماعة الوحيدة المؤهلة “ذاتيا” للمزاحمة على الحكم إذا ما توفر الشرط الموضوعي لتداول السلطة والانتقال الديمقراطي من جهة ثانية... عند هذه الفئة من الدول، لا يهم أن تكون الجماعة متطرفة أو معتدلة، بقيادة التيارات “القطبية والمودودية” في الإخوان، أو حتى بقيادة “الأم تيريزا”، المهم أنها جماعة قوية ومنافسة، وهي لهذا السبب تستحق الاستئصال والمطاردة، حتى وإن اقتضى الأمر التحالف مع قوى أقل تنظيماً وأقل شهية للمشاركة السياسية مثل الجماعات السلفية، على الرغم من أن خطاب الأخيرة أكثر تطرفاً من الناحية الثقافية والمدنية من خطاب الجماعة.

أنضج أشكال الجدل الذي دار حول تصنيف وتقييم الإخوان المسلمين وتجربتهم وأعمقها، جرى في بريطانياً، بداية داخل الحكومة ولجنة السير جون جنكيز، ولاحقاً داخل مجلس العموم (لجنة الشؤون الخارجية) ... كلا التقريرين، وعلى الرغم من اختلافهما (التقرير الحكومي جاء أشد قسوة على الإخوان من تقرير مجلس العموم)، حاول معالجة أسباب الالتباس، ولم يأخذ بالأسباب الموجبة عربياً للاستئصال ... لم تغب عنه المنزلة الملتبسة للإخوان، وهي بالمناسبة منزلة بين منزلتين: تنظيم سياسي مدني بمرجعية دينية، وتنظيم سياسي بمرجعية دينية جهادية، وكلا التقريرين وضع الإخوان خارج قوائمه السوداء لكنه في المقابل، لم يدرجها في قوائمه البيضاء، بل أفرد لها “قائمة رمادية” تزداد اسوداداً أو ابيضاضاَ، تبعاً للظروف المحيطة بعمل الجماعة ونشاطها، وتختلف من فترة إلى أخرى، وتتأثر بهذه القيادة أو تلك، وتحتمل اللقاء والاختلاف، العداوة والتحالف.

رفض التقريران وضع جميع حركات الإسلام السياسي في سلة واحدة، بل ورفض وضع جميع التجارب الإخوانية في سلة واحدة، ولم يستبعد تورط اتجاهات وأفراد من الجماعات في أعمال عنف وإرهاب تحت ضغط المطاردة والاستبداد والاستئصال، لكن أي منهما، لم ينكر حقيقة أن الجماعة، بما هي قيادة وتيار مركزي، ليست طرفاً أصيلاً في الإرهاب، بل وقد تشكل “مصداً” في مواجهة جماعة العنف والغلو.

التقريران لم يكتفيا بدراسة الجماعة من داخلها، أو وفقاً لنصوصها المرجعية والمؤسسة، أو لخطاباتها وبياناتها السياسية فحسب، بل ذهبا أبعد من ذلك، وحاولا البحث في الجماعة، من ضمن سياق سياسي – أمني – اقتصادي – اجتماعي – تاريخي، أوصل إلى استنتاجات في ظني أنها الأكثر نضجاً من بين جميع المقاربات الحكومية والبرلمانية الرسمية التي تناولت الجماعة حتى الآن.

المصدر : صحيفة الدستور

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الإخوان»في مداولات الكونغرس ومجلس العموم «الإخوان»في مداولات الكونغرس ومجلس العموم



GMT 11:57 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

دفاعًا عن السودانيين ... وثورتهم

GMT 07:56 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

الفرصة من رحم الكارثة

GMT 16:30 2020 الخميس ,30 كانون الثاني / يناير

ما الذي سيُنَفذ عملياً من «صفقة القرن»؟

GMT 13:12 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

التراجع عن فك الارتباط .. مزحة سمجة

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 16:24 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الجدي" في كانون الأول 2019

GMT 21:52 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

علامات الحمل تبدو بوضوح على بلقيس خلال حفلة نهاية العام

GMT 08:53 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

نقدم لك ديكوات مختلفة مخصصة لأماكن الصلاة داخل المنزل

GMT 07:09 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

جددي ديكور منزلك الكلاسيكي بهذه الخدع عير المكلفة

GMT 20:49 2020 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

ماكرون يساند ترامب وينتقد زعزعة إيران للاستقرار

GMT 05:15 2019 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

قارئة القرآن لوحة فنية تباع بأكثر من 7 ملايين دولار

GMT 01:34 2018 الخميس ,11 تشرين الأول / أكتوبر

فيفي عبده تظهر برشاقة واضحة عبر موقع "إنستغرام"

GMT 03:19 2018 الإثنين ,27 آب / أغسطس

وفاة الشاعر حجاب بن نحيت يوم عيد ميلاده

GMT 01:55 2018 الجمعة ,13 إبريل / نيسان

السعيدي يكشف أن "الوداد" لن يتنازل عن الفوز

GMT 19:23 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

عامل يقضي نحبة إثر وقوع رافعة في الناظور

GMT 21:52 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

البدرى يفاجئ جماهير الأهلي بشأن التعاقد مع لاعب عالمي

GMT 20:54 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

​لحسن الداودي يكشف سبب ارتفاع أثمنة الطماطم في الأسواق

GMT 10:17 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

تقارير تفيد أنّ علاقة مرضى السكري بأقرانهم تعكس آثارًا مهمة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya