مصر في الحسابات الأميركية

مصر في الحسابات الأميركية

المغرب اليوم -

مصر في الحسابات الأميركية

بقلم : عريب الرنتاوي

من بين أسباب أخرى، لا مجال للخوض بها الآن، يبدو أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تعوّل كثيراً على مصر، للقيام بأدوار إقليمية متزايدة، من شأنها أن تسهم في "ملء فراغ" واشنطن في المنطقة، وتساعد في احتواء إيران، خصم إدارة ترامب اللدود من جهة، وتحجيم الدور الإقليمي لتركيا، وهي الحليف الذي تنتفي بوجوده حاجة واشنطن للأعداء.

الحفاوة الاستثنائية التي استُقبِل بها الرئيس عبد الفتاح السيسي، وعبارات الدعم والإسناد من العيار الثقيل التي أسمعه إياها سيد الأبيض، والوعود بمزيد من المساعدات العسكرية والاقتصادية، والتطلع للقيام بأدوار مشتركة في معالجة أزمات المنطقة، وبالأخص الحرب على الإرهاب، والرهان على دور مصري مساند في تدوير المواقف والزوايا على المسار الفلسطيني – الإسرائيلي، جميعها مؤشرات على "عودة الروح" للعلاقات المصرية – الأمريكية، وربما بأفضل مما كانت عليه منذ كامب ديفيد وزيارة السادات لإسرائيل.

والحقيقة أن الولايات المتحدة وضعت لنفسها أولويتين اثنتين في المنطقة، من بين لائحة أهداف ومصالح تعمل على حفظها وتعظيمها: الأولى للحرب على الإرهاب (داعش على وجه الخصوص، من دون استثناء القاعدة والنصرة)، والثانية، تحجيم نفوذ طهران الإقليمي ... وفي كلا الملفين، يبدو الدور المصري، مهماً وحيوياً، أو هكذا تأمل واشنطن على الأقل، سيما أن أمكن لمصر أن تلتقط أنفاسها، وأن تخرج من عنق الزجاجة الذي يعتصرها، وهذا ما وعد ترامب ضيفه السيسي بالعمل عليه.

ولقد شهدنا ارتفاعاً ملحوظاً في عدد ونوعية الضربات الأمريكية للتنظيمات الإرهابية ... في العراق، واشنطن أرسلت بقوات على خطوط التماس مع داعش، وطائراتها متعددة الطرازات، لا تكاد تفارق الأجوار العراقية ... وفي سوريا، يقوم البنتاغون ببناء وتحشيد قوات برية ودفاعات أرضية وطائرات في قواعد ومطارات أربع في شمال شرق سوريا، فيما الاستعدادات في مطار الطبقة، جارية على قدم وساق، لجعله "قاعدة القيّارة 2" التي انطلقت منها معركة استعادة الموصل، ومن مطار الطبقة الذي يجري تجهيزه ليكون رديفاً أو حتى بديلاً لقاعدة "إنجرليك" التركية، ستنطلق معركة استعادة الرقة، بعيداً عن التهديدات وعمليات الابتزاز التركية التي لا تتوقف، سواء بشأن الحد من استخدام القاعدة أو حتى إغلاقها في وجه سلاح الجو الأمريكي، على خلفية دعم واشنطن لأكراد سوريا، واتخاذهم من دون أنقرة، شركاء لها في معركة استعادة الرقة.

وفي اليمن، وخلال شهر آذار/ مارس الفائت فقط، نفذ البنتاغون أكثر من سبعين طلعة جوية، وغالباً بطائرات من دون طيار ضد إهداف للقاعدة هناك، أوقعت العشرات من قادتها وكوادرها ومقاتليها ... القاعدة، ممثلة بالنصرة، كانت هدفاً لطلعات عديدة لسلاح الجو الأمريكي في محافظة إدلب ... وترامب أصدر أوامره للبنتاغون بتوسيع نطاق العمليات ضد القاعدة وصولاً للصومال.

نحن إذن أمام إرادة أمريكية متعاظمة لضرب التنظيمات الإرهابية بقسوة، وعدم ترك المجال لها للاستقرار في أي مكان، وتحويله إلى ملاذ آمن ... المؤكد أن الإرهاب في سيناء، سيكون هدفاً للتنسيق الأمريكي – المصري في قادمات الأيام، وربما يطلب إلى القاهرة، توسيع دائرة ملاحقتها للإرهاب في ليبيا وما هو أبعد من ليبيا كذلك.

من يرقب أداء إدارة ترامب في العراق وشمال شرق سوريا، يرى أنها في سباق مع الزمن، لقطع الطريق على محور موسكو – طهران – دمشق – الضاحية ... هذه المنطقة، ستكون مسرحاً لعمليات أمريكية مباشرة، وساحة نفوذ لواشنطن وحلفائها، والأمريكيون يحتشدون في "الرقة" ليبقوا، وليس لينسحبوا عشية اليوم التالي لدحر داعش، وثمة وعود للأكراد بتحويل المدينة السورية الفقيرة، إلى "لاس فيغاس ثانية" ... واشنطن، تفعل كل ذلك، لا حباً بأكراد سوريا، ولا كرمى لعيونهم، بل لمنع إيران من تدشين "الحزام البري" الذي يربط بحر قزوين بالبحر المتوسط، وتقطيع أوصال "الهلال الشيعي" الذي جرى التحذير منه مبكراً.

لكن، وإن كان هذا هو هدف واشنطن الرئيس، فإن من بين أهدافها الثانوية، الهامة كذلك، هو سحب أوراق الضغط والقوة، التي طالما لوّحت بها أنقرة في وجه واشنطن، وتحجيم دور تركيا في كل من سوريا والعراق، ومنعها من التمدد بأكثر مما ينبغي في شمال سوريا، سيما بعد أن نجحت واشنطن في تأمين حضور مباشر لها في مناطق سيطرة الأكراد، الأمر الذي سيجعلها أكثر حرية في التعامل مع الابتزاز التركي بورقة "أنجرليك"... ثمة قلق غربي – أمريكي من تركيا وسياسات أردوغان ومغامرات، فضلاً بالطبع، عن حضانته لتنظيمات إسلامية مسلحة ورعايته لجماعة الإخوان المسلمين.

في هذا السياق، تريد واشنطن حليفاً موثوقاً بدلاً عن تركيا، وتريد معادلاً موضوعياً لثقل إيران الاستراتيجي في المنطقة ... وحدها مصر، الدولة الإقليمية الكبرى، يمكنها أن تقوم بهذا الدور، وأن توفر البضاعة، ولكن من دون مساعدتها على النهوض من كبوتها، سيكون من المتعذر عليها، أن تقدم البضاعة المطلوبة، وهذا ما يفسر بعض أسرار "الصحوة" المفاجئة في العلاقات المصرية – الأمريكية، بعد سنوات ست عجاف.

هل ستنجح واشنطن في مسعاها هذا؟ وهل سيكون بمقدور مصر أن توفر البضاعة المطلوبة؟  ما الأثر الذي سيتركه هذه الاختراق على السياسة المصرية في بعديها الداخلي (الحريات والانتقال الديمقراطي) والخارجي؟ بل وما الأثر الذي سيتركه على توازن القوى على الساحة العربية (مصر والسعودية) والإقليمية (مع تركيا وإيران)، وأية انعكاسات لذلك على علاقات مصر مع إسرائيل، وكيف ستتصرف مصر مع السلطة وحماس، وهل ستتخذ مواقف داعمة للرئيس عباس أم ضاغطة عليه، هل ستواصل انفتاحها على حماس أم سترتد عليها، من ضمن استحقاقات التطور النوعي في علاقات القاهرة بواشنطن؟ ... أسئلة وتساؤلات سنعود إليها في قادمات الإيام.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصر في الحسابات الأميركية مصر في الحسابات الأميركية



GMT 11:57 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

دفاعًا عن السودانيين ... وثورتهم

GMT 07:56 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

الفرصة من رحم الكارثة

GMT 16:30 2020 الخميس ,30 كانون الثاني / يناير

ما الذي سيُنَفذ عملياً من «صفقة القرن»؟

GMT 13:12 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

التراجع عن فك الارتباط .. مزحة سمجة

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 16:24 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الجدي" في كانون الأول 2019

GMT 21:52 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

علامات الحمل تبدو بوضوح على بلقيس خلال حفلة نهاية العام

GMT 08:53 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

نقدم لك ديكوات مختلفة مخصصة لأماكن الصلاة داخل المنزل

GMT 07:09 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

جددي ديكور منزلك الكلاسيكي بهذه الخدع عير المكلفة

GMT 20:49 2020 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

ماكرون يساند ترامب وينتقد زعزعة إيران للاستقرار

GMT 05:15 2019 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

قارئة القرآن لوحة فنية تباع بأكثر من 7 ملايين دولار

GMT 01:34 2018 الخميس ,11 تشرين الأول / أكتوبر

فيفي عبده تظهر برشاقة واضحة عبر موقع "إنستغرام"

GMT 03:19 2018 الإثنين ,27 آب / أغسطس

وفاة الشاعر حجاب بن نحيت يوم عيد ميلاده

GMT 01:55 2018 الجمعة ,13 إبريل / نيسان

السعيدي يكشف أن "الوداد" لن يتنازل عن الفوز

GMT 19:23 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

عامل يقضي نحبة إثر وقوع رافعة في الناظور

GMT 21:52 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

البدرى يفاجئ جماهير الأهلي بشأن التعاقد مع لاعب عالمي

GMT 20:54 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

​لحسن الداودي يكشف سبب ارتفاع أثمنة الطماطم في الأسواق

GMT 10:17 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

تقارير تفيد أنّ علاقة مرضى السكري بأقرانهم تعكس آثارًا مهمة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya