متظاهرون لبنانيون من عالم آخر

متظاهرون لبنانيون من عالم آخر

المغرب اليوم -

متظاهرون لبنانيون من عالم آخر

بقلم - خيرالله خيرالله

ليس رفع الضرائب لتمويل السلسلة، سلسلة الرتب والرواتب، حلّا للأزمة التي تواجه لبنان، وهي أزمة ذات جوانب عدّة، لكنها تختزل بجانب واحد. يتمثّل هذا الجانب في وجود دويلة اسمها الدولة اللبنانية، إلى جانب دولة “حزب الله”. كلّ شيء في لبنان معطّل بسبب الدولة الأخرى التي تريد تأكيد أن لبنان ليس سوى “ساحة” في خدمة المشروع التوسّعي الإيراني. ليس مستبعدا أن يأخذ هذا المشروع لبنان إلى حرب في حال تطلبت المصلحة الإيرانية ذلك.

كلّ ما عدا سلاح “حزب الله” ذلك تفاصيل ومحاولة للتأقلم مع مشروع لا يستطيع لبنان التعايش معه. ليس تراجع الاقتصاد اللبناني سوى دليل صارخ على ذلك. ليس عزل لبنان عن محيطه العربي وتحويله إلى قاعدة لحملات تستهدف دول الخليج سوى حلقة من حلقات التآمر على وجود البلد وعلى دوره الطبيعي الذي كان كفيلا بجعله من بين الدول المزدهرة في العالم.

يبدو مفهوما نزول المواطنين العاديين إلى الشارع للاعتراض على الضرائب الجديدة. يظلّ التظاهر السلمي حقّا من حقوق الناس. ما ليس مفهوما تلك الشعارات التي أطلقها بعض المتظاهرين من نوع الدعوة إلى “إسقاط النظام”. هل يعيش هؤلاء المتظاهرون في لبنان أم في عالم آخر؟

هؤلاء المتظاهرون يبدون أقرب إلى يتامى النظام الأمني السوري ـ اللبناني الذي انتهى في العام 2005 والذي خلفته الوصاية الإيرانية. في ظلّ الوصاية الجديدة، استطاع “حزب الله” ملء الفراغ الناجم عن الانسحاب العسكري السوري من لبنان وصار يلعب دور الحريص على تعطيل كلّ ما من شأنه النهوض بالاقتصاد اللبناني وإعادة الحياة إلى المؤسسات التي تقوم عليها الدولة.

ليس في هذا الكلام أي نوع من المبالغة، على الرغم من وجود متظاهرين صادقين كانت لديهم اعتراضات معقولة ومنطقية على الضرائب الجديدة. قدّم هؤلاء، ومن بينهم “حركة التجدّد” التي أسسها الراحل نسيب لحود، وهو “الرئيس الحلم” الذي كان يمكن أن يرفع من مستوى الحياة السياسية اللبنانية وفرض قيم أخلاقية مختلفة في البلد، نقاطا تصلح لنقاش حقيقي. ولكن تبيّن أن قسما لا بأس به من المتظاهرين لم يكن يريد أن يناقش. وحين حضر الرئيس سعد الحريري للحديث إلى المتظاهرين وتأكيد تفهمه لمطالبهم ولضرورة مكافحة الفساد، تبيّن أن هؤلاء لا يريدون شيئا آخر غير التظاهر. هل هناك شيء اسمه التظاهر من أجل التظاهر؟

كشف سعد الحريري الغوغائيين. كشف حقيقتهم. كان هناك أناس طيبون في التظاهرة نزلوا إلى ساحة رياض الصلح من أجل إعادة النظر في ما يعتقدون أنّه ضرائب جائرة تطبّق على الفقير وصاحب الدخل المحدود. لكنّه كان هناك أيضا من يريد التخريب لا أكثر وذلك للتغطية على ممارسات الذين يغطون الفساد على كلّ المستويات. هؤلاء الغوغائيون استباحوا البلد بكل الوسائل الممكنة، على رأسها السلاح المذهبي الموجه إلى صدر المواطن اللبناني الذي يطمح إلى بناء دولة حديثة.

لا يمكن أن تقوم قيامة لدولة لبنانية حديثة بوجود سلاح غير شرعي يخدم كلّ شيء باستثناء الدولة اللبنانية ومصالح اللبنانيين. كلّ ما تبقى ممارسات من النوع المملّ الذي عفا عنه الزمن وشعارات طنانة لا تعني شيئا.

لا توجد دولة حديثة قادرة على امتلاك اقتصاد قوي من دون ترشيق للقطاع العام ومن دون ضرائب مدروسة تأخذ في الاعتبار ثروات البلد وكيفية تنميتها. من يسيء إلى أهل الخليج الذين استغنوا عن لبنان لا يريد أي نموّ للاقتصاد. من يعطّل الحياة في وسط بيروت، الذي لم يستعد عافيته منذ اعتصام ما بعد حرب صيف العام 2006، الذي كان استكمالا للحرب الإسرائيلية على لبنان، يرتكب عن سابق تصوّر وتصميم جريمة في حقّ لبنان واللبنانيين.

من فعل كلّ شيء من أجل تهجير أكبر عدد من اللبنانيين من لبنان، خصوصا خريجي الجامعات من كلّ الطوائف والمذاهب والمناطق، إنّما لا يريد غير نشر البؤس في البلد. أين مصلحة لبنان في غياب القدرة على تكبير حجم الاقتصاد بوسائل مختلفة، بما في ذلك جذب المستثمر الأجنبي أكان عربيا أو غير عربي؟ أين مصلحة لبنان في دخول الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري إلى جانب إيران والنظام العلوي الذي أسس له حافظ الأسد؟ أين مصلحة لبنان في تعريض البلد للخطر في وقت لم تعد إسرائيل تخفي نياتها العدوانية؟

مرّة أخرى، كان بين المتظاهرين كثيرون من ذوي النيات الحسنة. كان على هؤلاء أن يسألوا أنفسهم ما نفع الضرائب الجديدة التي يفترض أن تموّل سلسلة الرتب والرواتب من دون القدرة على بناء دولة حديثة ذات إدارة متطوّرة وليس دولة يحشر فيها “حزب الله” وغير “حزب الله” من الذين في السلطة عناصر تبحث عن وظيفة تؤمن لهم راتبا شهريا مضمونا من دون أي مساهمة فعلية في تحسين أداء الإدارة؟

كان الهدف من تظاهرة الرابع عشر من آذار ـ مارس 2005 الانتقال من دولة الوصاية السورية إلى دولة مختلفة كلّيا. دولة عصرية بكلّ معنى الكلمة لا ترزح تحت وطأة القطاع العام والعجز عن مواجهة مشكلة سهلة الحل هي مشكلة الكهرباء… أو النفايات.

على من يريد أن يتظاهر هذه الأيّام التفكير في الأسباب التي جعلت الحكومة عاجزة عن اتخاذ قرارات كبيرة على الرغم من أنّ الحلول في متناول اليد. الأهمّ من ذلك كلّه أن على من يريد التظاهر التساؤل عن كمّية الأضرار التي يلحقها السلاح المذهبي غير الشرعي بلبنان. أين السياحة اللبنانية؟ أين مستوى التعليم؟ أين المستشفيات والجامعات اللبنانية التي كان يمكن أن توفّر عائدات بمئات ملايين الدولارات لو كان الوضع على الأرض اللبنانية بخير ولو كان في الإمكان الإتيان بحكومة كفاءات برئاسة سعد الحريري؟

هل بين المتظاهرين من يجرؤ على فتح ملفّ الكهرباء والوزراء الذين توالوا على الوزارة التي يفترض أن تهتمّ بالكهرباء منذ العام 1990 حين كان النظام السوري يصرّ على تولي شخصيات معيّنة هذه الحقيبة؟

يستطيع المتظاهرون المنتمون إلى جهات معروفة زيادة الوضع اللبناني سوءا. ما لا يستطيعونه هو التفكير بطبيعة التحديات التي تواجه لبنان في هذه المرحلة بالذات. تختزل هذه التحديات الرغبة الإيرانية في أن يكون لبنان “ساحة” لا أكثر وذيلا في محور “الممانعة” ذي الشعارات الفضفاضة الكاذبة. يختزل هذه التحديات أيضا سؤال في غاية البساطة محوره ما العمل في المستقبل المنظور مع وجود ما يزيد على مليون ونصف مليون سوري في لبنان؟ الأخطر من ذلك، ما العمل إذا فعل “حزب الله” كلّ ما يستطيع، كما حصل في العام 2006 لافتعال حرب مع دولة عدوانية هي إسرائيل في ظلّ علاقة مميّزة بين دونالد ترامب وبنيامين نتانياهو؟ ما ذنب لبنان ليكون ضحيّة هذه العلاقة؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

متظاهرون لبنانيون من عالم آخر متظاهرون لبنانيون من عالم آخر



GMT 00:10 2018 الخميس ,16 آب / أغسطس

عيون وآذان (دفع الضرائب في الغرب)

GMT 05:01 2018 الإثنين ,30 تموز / يوليو

عيون وآذان (أخبار سيجدها القارئ مهمة)

GMT 05:38 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

ميزانية اميركية لأصحاب البلايين

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:08 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العذراء

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 14:43 2018 الجمعة ,28 كانون الأول / ديسمبر

قائمة بأسماء أفضل المطاعم في مدينة إسطنبول التركية

GMT 23:38 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

9 أسباب لفشل عمليات أطفال الأنابيب

GMT 11:09 2018 الأربعاء ,25 إبريل / نيسان

كلويه CHLOE عطر بروح الأناقة من "نو مايد "

GMT 16:16 2019 السبت ,16 آذار/ مارس

دبي تقدم أغلى عطر في العالم "شموخ "

GMT 07:03 2018 الأحد ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تذوق أشهى الأطعمة والمشروبات الساخنة في "نوفوسيبرسك"

GMT 15:32 2018 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

برنامج طبي خاص للاعب طائرة الأهلي عبدالحليم عبو

GMT 22:34 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

ارتفاع مخزونات النفط الأميركي الخام إلى 6.490 مليون برميل

GMT 08:39 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

الياباني يوشيهيتو نيشيوكا يحصد لقب بطولة شينغن للتنس

GMT 13:56 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف يؤكّد أن عمر جمال يملك عرضًا للرحيل

GMT 04:51 2018 الإثنين ,09 تموز / يوليو

تعرفي على أهم العطور المفضلة لدى المشاهير

GMT 02:00 2018 الأربعاء ,28 شباط / فبراير

ديكورات مثيرة لحمامات كلاسيكية باللون الرمادي

GMT 01:32 2018 الإثنين ,12 شباط / فبراير

لسه فاكر

GMT 15:46 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

الكاتب مصطفى محرم يُشير إلى أقرب الأعمال إلى قلبه

GMT 05:18 2013 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"تويوتا" FCV تستعرض تقنية خلايا الوقود وستطرح

GMT 18:18 2016 السبت ,21 أيار / مايو

بريشة:سعيد الفرماوي

GMT 16:29 2020 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

إيطاليا تدعو إلى استئناف إنتاج وتصدير النفط الليبي دون شروط
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya