الأزمة السورية تجاوزت شخص بشار

الأزمة السورية تجاوزت شخص بشار

المغرب اليوم -

الأزمة السورية تجاوزت شخص بشار

بقلم : خيرالله خيرالله

من يقرأ نص الكلام الصادر عن نيكي هايلي مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة لا يجد تفسيرا لهذا الكلام سوى أن بشّار الأسد انتهى. ببشّار ومن دون بشّار، سوريا التي عرفناها انتهت وهي تحتاج صيغة حكم جديدة.

لم تقل هايلي بأي شكل إن الانتهاء من رئيس النظام السوري لم يعد أولوية أميركية. كلّ ما قالته المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة في شكل سؤال هو ما الموقف الذي يمكن توقّعه من دولة مثل الولايات المتحدة عندما يتعلّق الأمر برجل استخدم السلاح الكيميائي ضد شعبه؟

معروف الجواب على مثل هذا النوع من الأسئلة. لا مكان في العالم لحاكم يشنّ حربا على شعبه. تشمل هذه الحرب استخدام السلاح الكيميائي والبراميل المتفجّرة بين حين وآخر حين تدعو الحاجة إلى ذلك.

إذا كان هناك من شكّ في أن الإدارة الأميركية الجديدة لم تعد تطرح أسئلة مرتبطة بمصير الأسد، فإنّ الكلام الذي صدر وزير الخارجية ريكس تيلرسون خلال زيارة لتركيا أوضح دليل على ذلك. قال تيلرسون بالحرف الواحد إنّ مصير الأسد “يقرّره الشعب السوري”.

هل من عاقل يعتقد أن الشعب السوري لم يتخذ بعد موقفا من النظام الأقلّوي الذي أسّسه حافظ الأسد في العام 1970؟ لو لم يكن هناك موقف نهائي للشعب السوري لما كانت الثورة مستمرّة منذ ما يزيد على ست سنوات.

في كلّ الأحوال تجاوزت الأزمة السورية شخص بشّار الأسد. لم يعد مهمّا أن يكون في المرحلة الانتقالية أو أن يخرج من دمشق مع بداية هذه المرحلة التي لا مفرّ منها في مرحلة ما، هذا إذا بقي شيء من سوريا.

كيف يمكن لشخص مثل بشّار الأسد يعيش في عالم مغلق خاص به أن يبقى حاكما لسوريا، خصوصا أنّ الشعب السوري قال كلمته؟

دخان الحرب يحجب صورة سوريا الجميلة
الجواب بكلّ بساطة أن النظام السوري كلّه صار في خبر كان وأن سوريا نفسها تفتت بعدما صارت “ساحة” لا أكثر تتصارع فيها وتتنافس قوى مختلفة بينها روسيا وإيران وتركيا وإسرائيل.. وأخيرا الولايات المتحدة التي صار لديها ما يزيد على ألفي جندي في الأراضي السورية. إضافة إلى ذلك تستخدم أميركا مطارين على الأقلّ في شمال ما كان يسمّى “الجمهورية العربية السورية”.

بقي الأسد الابن في المرحلة الانتقالية أم لم يبق ليست تلك المسألة. المسألة مرتبطة بسؤال في غاية البساطة هو هل لا يزال في الإمكان إعادة الحياة إلى هذا البلد الذي قرّر رئيس النظام فيه منذ خلف والده في العام 2000 الدخول في لعبة التحالف المباشر مع إيران خدمة لأغراضها.

هناك مكان واحد نجح فيه بشّار الأسد. هذا المكان هو ربط مصير نظامه الأقلّوي بمصير سوريا. يريد من سوريا أن تنتهي مع انتهاء النظام. هذا هو التحدي الجديد الذي يواجه الشعب السوري الذي أظهر حتّى الآن أنّه ليس من نوع الشعوب التي تنام على ضيم. لو كان الأمر كذلك لكانت الثورة الشعبية انتهت في اليوم الأوّل الذي أراد فيه بشّار الأسد الاقتصاص من أطفال درعا في مثل هذه الأيّام من العام 2011.

جديد سوريا أنّ إيران باتت مقتنعة بأنّها لا تستطيع الانتصار على الشعب السوري. أمّا روسيا فإنّها في بحث مستمرّ عن مخرج. كلّ ما تستطيع إيران عمله هو تقديم مزيد من التسهيلات العسكرية لروسيا كي تتورّط أكثر في المستنقع السوري. ليست زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني لموسكو ومحادثاته مع الرئيس فلاديمير بوتين، قبل أيّام، سوى دليل جديد على مأزق الجانبين الإيراني والروسي في سوريا.

باتت المعادلة السورية عصيّة على جميع الذين يتعاطون معها. هذا عائد إلى سبب واحد على الأقلّ. هذا السبب عائد إلى أن الذين يحاولون الخروج بحلّ يتجاهلون أنّ العنصر الأهمّ في سوريا هو الشعب السوري وذلك بعيدا عن الرومانسية والأوهام والأحلام وكلّ ما يقال عن عجز المعارضة عن إيجاد واجهة قادرة على تمثيلها بشكل فعّال.

عاجلا أم آجلا سيتبيّن أن لا مفرّ من البحث الجدّي في المرحلة الانتقالية وأن لا قيمة لأيّ حرب على الإرهاب إذا لم تشمل “داعش” والدواعش. “داعش” السنّي والدواعش الشيعية المرتبطة بطريقة أو بأخرى بإيران وميليشياتها وما بقي من مراكز قوى تعمل تحت مظلّة النظام السوري. تبحث مراكز القوى هذه عن حماية لمصالحها بعيدا عمّا يريده بشّار الأسد الذي لا يزال لديه دور يؤدّيه في مجال واحد هو مجال الانتهاء من سوريا.

تكمن مشكلة المتمسكين، أقلّه ظاهرا، ببشار الأسد، خصوصا إيران وروسيا، في أنّهم لا يطرحون على أنفسهم سؤالا منطقيا واحدا. هذا السؤال هو هل بقيت مؤسسات سورية يمكن البناء عليها؟

لم تبق في سوريا أيّ مؤسسة يمكن البناء عليها. منذ مجيء البعث إلى السلطة، وقبل ذلك إبان سنوات الوحدة المصرية-السورية بين 1958و1961، تحوّلت سوريا إلى بلد يحكمه جهاز أمني. تطورّ هذا الجهاز إلى أجهزة عدّة يشرف عليها حافظ الأسد منذ تفرّد بالسلطة في 1970 وراح يبني نظاما يُعتبر الضبّاط العلويون الموالون له عموده الفقري.

ما ترفض روسيا الاعتراف به هذه الأيّام هو أن هذا النظام الذي أقامه حافظ الأسد صار من الماضي وأنه لم يعد هناك ما يمكن البناء عليه في سوريا. أمّا إيران فلا يزال همّها الأساسي محصورا في الاستيلاء على قسم من سوريا حيث تجري تغييرات ديموغرافية في العمق. تريد جعل هذا القسم مرتبطا بدويلة “حزب الله” في لبنان.

لم يعد مهمّا بقاء بشّار الأسد في المرحلة الانتقالية أم عدم بقائه. المهمّ هو أن الوقت لا يعمل لمصلحة بقاء سوريا موحّدة. عندما امتنع باراك أوباما صيف العام 2013 عن الإقدام على خطوة تسقط النظام الذي استخدم السلاح الكيميائي في حربه على السوريين، كان أوباما ينفّذ المطلوب منه إسرائيليا لا أكثر ولا أقلّ.

ما نشهده حاليا مع اقتراب ذكرى مرور نصف قرن على احتلال الجولان هو مرحلة جديدة متقدّمة من عملية تفتيت سوريا في غياب عربي شبه تام باستثناء وجود الأردن كمراقب في أستانة وهو وجود أثار استياء إيرانيا، وحتّى تركيا، في مرحلة ما.

صارت الجولات المتلاحقة من المفاوضات التي تشهدها مدينة جنيف مرآة صادقة للمواقف الدولية التي تريد كلّ شيء باستثناء وضع نهاية للمأساة السورية التي باتت لها انعكاسات خطيرة على الأردن ولبنان.

يكفي الرقم الموثّق عن وجود خمسة ملايين سوري لجأوا إلى دول الجوار للتأكّد من حجم الكارثة التي حلّت بالبلد. أكثر من ذلك، إن هذا الرقم يعطي فكرة عن مدى حجم التواطؤ العالمي على الشعب السوري الذي أثبت أنّه يمتلك حيوية خاصة به جعلته قادرا على خوض مقاومة مستمرّة منذ العام 1961 حين جرت المحاولة الأولى لإنقاذ البلد من نظام أمني فرضه جمال عبدالناصر ونظامه المتخلّف عندما قبل بالوحدة المصرية-السورية في شباط-فبراير من العام 1958. هل لا يزال ممكنا الكلام عن مقاومة سورية في هذه الأيّام التي لم يعد فيها مكان سوى لسؤال وحيد: هل في الإمكان استعادة سوريا؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأزمة السورية تجاوزت شخص بشار الأزمة السورية تجاوزت شخص بشار



GMT 18:13 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

لا ثقة بحكومة حسّان دياب

GMT 15:45 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أوراق إيران التي ذبلت

GMT 09:52 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

أكثر من أي وقت… نفتقد نسيب لحّود

GMT 09:43 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

سقوط آخر لبريطانيا

GMT 09:51 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

عندما يهرب لبنان إلى "صفقة القرن"

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:08 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العذراء

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 14:43 2018 الجمعة ,28 كانون الأول / ديسمبر

قائمة بأسماء أفضل المطاعم في مدينة إسطنبول التركية

GMT 23:38 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

9 أسباب لفشل عمليات أطفال الأنابيب

GMT 11:09 2018 الأربعاء ,25 إبريل / نيسان

كلويه CHLOE عطر بروح الأناقة من "نو مايد "

GMT 16:16 2019 السبت ,16 آذار/ مارس

دبي تقدم أغلى عطر في العالم "شموخ "

GMT 07:03 2018 الأحد ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تذوق أشهى الأطعمة والمشروبات الساخنة في "نوفوسيبرسك"

GMT 15:32 2018 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

برنامج طبي خاص للاعب طائرة الأهلي عبدالحليم عبو

GMT 22:34 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

ارتفاع مخزونات النفط الأميركي الخام إلى 6.490 مليون برميل

GMT 08:39 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

الياباني يوشيهيتو نيشيوكا يحصد لقب بطولة شينغن للتنس

GMT 13:56 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف يؤكّد أن عمر جمال يملك عرضًا للرحيل

GMT 04:51 2018 الإثنين ,09 تموز / يوليو

تعرفي على أهم العطور المفضلة لدى المشاهير

GMT 02:00 2018 الأربعاء ,28 شباط / فبراير

ديكورات مثيرة لحمامات كلاسيكية باللون الرمادي

GMT 01:32 2018 الإثنين ,12 شباط / فبراير

لسه فاكر

GMT 15:46 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

الكاتب مصطفى محرم يُشير إلى أقرب الأعمال إلى قلبه

GMT 05:18 2013 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"تويوتا" FCV تستعرض تقنية خلايا الوقود وستطرح

GMT 18:18 2016 السبت ,21 أيار / مايو

بريشة:سعيد الفرماوي

GMT 16:29 2020 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

إيطاليا تدعو إلى استئناف إنتاج وتصدير النفط الليبي دون شروط
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya