ماكرون المغربي

ماكرون المغربي

المغرب اليوم -

ماكرون المغربي

بقلم : توفيق بو عشرين

قبل أن تقفل مكاتب الاقتراع أبوابها في فرنسا، بدأ المغاربة يسألون عن الفائز في انتخابات الرئاسة، وكلما دخل زبون إلى المقهى سأل أصدقاءه عن نتيجة الاقتراع: ‘‘من.. لوبان أم ماكرون؟’’، وكأنه يسأل عن نتيجة مباراة ديربي بين ريال مدريد والبارصا… ماذا يجري؟ هل انضم المغاربة إلى كتلة المصوتين في الرئاسيات الفرنسية دون علم وزارة الداخلية في كلا البلدين؟ هل قدم إيمانويل ماكرون وعودا بالتشغيل والتطبيب والسكن والتعليم للمغاربة في برنامجه الانتخابي، حتى يتعلقوا به إلى هذه الدرجة، ويفرحوا معه في ساحة متحف اللوفر، ويتشفوا في منافسته، مارين لوبان، وكأنهم جميعا أعضاء في حركة ‘‘إلى الأمام’’، الفرنسية طبعا وليست المغربية؟

هل يبحث المغاربة عن الفرجة في السياسة بعدما افتقدوها في بلدهم؟ هل تغريهم المنافسة المفتوحة والانتخابات النزيهة بتتبع أطوار المعارك السياسية، ولو كانت تجري ما وراء البحار؟ هل عينا ماكرون الزرقاوان ووجهه الوسيم وسنه الصغير أضفت على هذه الانتخابات سحرا خاصا، ودفعت الشعوب المقهورة إلى الهجرة الافتراضية نحو فرنسا لتعيش حلاوة الديمقراطية، ومتعة تغيير السلطة والسياسات العمومية والوجوه الحاكمة بسلاسة وتحضر وأناقة، يعترف فيها الخاسر بخسارته، ويهنئ خصمه قبل أن يحتفي الفائز بالنصر، ويقول للذين لم يصوتوا له: ‘‘أنا أحترم قراركم وأتفهم غضبكم، وأعدكم بأن أعمل كل ما في جهدي لكي لا تضطروا في الانتخابات المقبلة إلى التعبير عن غضبكم بالتصويت للتطرف والكراهية’’.

أزعم أن عدد الذين تابعوا انتخابات الرئاسة الفرنسية ليلة الأحد يفوق عدد الذين تابعوا تنصيب حكومة العثماني يوم 9 أبريل المنصرم، وأزعم أن شعبية ماكرون اليوم وسط شباب الفايسبوك، وهم بالملايين، تفوق شعبية أي سياسي في المغرب، وأزعم، ثالثا، أن المغاربة ليسوا شعبا بلا شهية سياسية، وأنهم يعترضون على ما يقدم لهم من وجبات سياسية وانتخابية باردة ومخدومة، وليسوا مضربين عن الطعام، ولا عازفين عن السياسة عندما تجرى في جو تنافسي ونزيه، وحول رهانات حقيقية… الاهتمام بالسياسة، مثل مشاهدة مباراة لكرة القدم، حيث لا ترتفع حرارة المتابعة والتشجيع والمنافسة إذا كان ‘‘الماتش مبيوع’’، أو معادا، أو نتيجته معروفة، أو كان ماتش حبيا لا رهان وراءه. وللأسف، جل انتخاباتنا من هذا النوع، وحتى عندما بدأت تستقطب جمهورا أكبر، جرت معاقبة الجميع بعد إعلان نتائج اقتراع السابع من أكتوبر الماضي، ودخلنا إلى ثلاجة البلوكاج التي جمدت برودتها دماء السياسة في عروق الشعب. وبعد مضي ستة أشهر، خرجت لنا حكومة لا تشبه نتائج الاقتراع، ولهذا سخر المدونون المغاربة من «حكومة أخنوش التي يقودها العثماني»، وقالوا عن انتخابات فرنسا: «احذر يا ماكرون من أن تغلب 33% نسبة 66%، فإلى وقت قريب جرى هذا في بلد صديق لكم، وفاز صاحب 37 مقعدا (الأحرار) على صاحب 125 مقعدا (العدالة والتنمية)»!

ثلث الفرنسيين صوت لصالح لوبان، والثلث الآخر صوت لصالح ماكرون، أما الثلث الباقي فصوت لقطع الطريق على اليمين المتطرف، وليس حبا في الفتى البنكي. هكذا تظهر نتائج الاقتراع انقساما حدا يخترق جسد فرنسا العليل، لكن ديمقراطيتها صامدة، ومؤسساتها قادرة على صنع التغيير، وفتح الطريق لشاب ليبرالي بنكهة اجتماعية لدخول قصر الإليزيه، في الوقت الذي كان الجميع ينتظر صعود اليمين الفرنسي المتطرف بعد واقعة البريكسيت في بريطانيا، وغزوة ترامب في أمريكا، لكن فرنسا شيء آخر. اختارت البلاد التغلب على الخوف من الإرهاب، وعلى إغراء الشعبوية، وعلى أحلام القومية، وعلى بناء الأسوار أمام أوروبا والعولمة، وأعطى أكثر من 20 مليون مواطن فرنسي أصواتهم لشاب عمره 39 سنة، لا هو محسوب على اليمين ولا هو محسوب على اليسار… لكن، مع ذلك، لم تمر الانتخابات الفرنسية بلا خسائر، وأولاها انهيار معلمين سياسيين كبيرين لا يقلان رمزية عن «برج إيفل».. إنهما الحزبان التقليديان، الحزب الاشتراكي والحزب الدوغولي، اللذان طُردا، ولأول مرة في الجمهورية الخامسة، من عرش الإليزيه (الرئيس في فرنسا شبه ملك في نظام جمهوري).. والخسارة الثانية هي أن اليمين المتطرف، بقيادة الجبهة الوطنية، صار القوة السياسية الأولى في المعارضة، وتجاوز حاجز العشرة ملايين صوت، وأضحى يقترب من أن يصبح القوة الأولى في فرنسا في حال فشل ماكرون، الذي يعتبر خط الدفاع الأخير في وجه اليمين العنصري في بلاد الأنوار.

في عيون العالم خرجت فرنسا أقوى في الليلة الكبيرة ليوم الأحد، في انتظار تأكيد هذا النصر المفاجئ لماكرون، الذي صعد نجمه بسرعة في التشريعيات المقبلة، فليس هناك ما يمنعه من تحقيق نتائج طيبة في الانتخابات البرلمانية، فكما كان ميتران يقول: «ليس هناك من مبرر لأن يحبني الفرنسيون في ماي ويكرهوني في يونيو». في النهاية، ليس ماكرون من أتى بالتغيير، بل التغيير من حمل هذا الشاب الصغير إلى قمة السلطة في بلد كبير

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماكرون المغربي ماكرون المغربي



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:08 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العذراء

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 14:43 2018 الجمعة ,28 كانون الأول / ديسمبر

قائمة بأسماء أفضل المطاعم في مدينة إسطنبول التركية

GMT 23:38 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

9 أسباب لفشل عمليات أطفال الأنابيب

GMT 11:09 2018 الأربعاء ,25 إبريل / نيسان

كلويه CHLOE عطر بروح الأناقة من "نو مايد "

GMT 16:16 2019 السبت ,16 آذار/ مارس

دبي تقدم أغلى عطر في العالم "شموخ "

GMT 07:03 2018 الأحد ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تذوق أشهى الأطعمة والمشروبات الساخنة في "نوفوسيبرسك"

GMT 15:32 2018 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

برنامج طبي خاص للاعب طائرة الأهلي عبدالحليم عبو

GMT 22:34 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

ارتفاع مخزونات النفط الأميركي الخام إلى 6.490 مليون برميل

GMT 08:39 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

الياباني يوشيهيتو نيشيوكا يحصد لقب بطولة شينغن للتنس

GMT 13:56 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف يؤكّد أن عمر جمال يملك عرضًا للرحيل

GMT 04:51 2018 الإثنين ,09 تموز / يوليو

تعرفي على أهم العطور المفضلة لدى المشاهير

GMT 02:00 2018 الأربعاء ,28 شباط / فبراير

ديكورات مثيرة لحمامات كلاسيكية باللون الرمادي

GMT 01:32 2018 الإثنين ,12 شباط / فبراير

لسه فاكر

GMT 15:46 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

الكاتب مصطفى محرم يُشير إلى أقرب الأعمال إلى قلبه

GMT 05:18 2013 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"تويوتا" FCV تستعرض تقنية خلايا الوقود وستطرح

GMT 18:18 2016 السبت ,21 أيار / مايو

بريشة:سعيد الفرماوي

GMT 16:29 2020 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

إيطاليا تدعو إلى استئناف إنتاج وتصدير النفط الليبي دون شروط
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya